منذ 1991 العام الذي تم فيه إسقاط الرئيس الراحل (محمد سياد بري) بعد عقود طويلة من الحكم والصومال لم يستقر، أنهشته الحروب الدامية والصراعات التي لم تنته حتى الآن بين الجماعات المختلفة، وأدخلت البلاد في فوضى، كما أدخلته إلى حافة الفقر حتى أصبح من أفقر دول العالم. وبعد الأحداث الأخيرة التي طفت على السطح، عادت الصومال لتحتل مكانًا بارزًا في سجل الأحداث المأساوية التي يمر بها العالم، لفت انتباه الدول والمنظمات الدولية إلى ما يجري فيه من مآسي وأحداث مؤسفة، وعبرت عن قلقها لما يجري في الساحة الصومالية، وقد أبدت المملكة عن قلقها تجاه تطورات الأحداث في الصومال، وعبرت عن تطلعها إلى أن يتوصل الأشقاء في الصومال إلى حل بالطرق السلمية عبر الحوار بما يحفظ أمن الصومال ووحدته ويجنب شعبه كل سوء ومكروه. كان متوقعًا أن تقوم هذه الأحداث من العنف لأن القادة الوطنيين والإقليميين داخل الصومال يتنازعون بشأن تأجيل الانتخابات البرلمانية، حيث كان من المقرر أن يجري الصومال العام الماضي أول انتخابات تحت شعار (صوت واحد لشخص واحد) وهي خطوة بارزة لدولة تعاني التمزق من عقود، فامتد تفاقم الصراع بين رئيس الوزراء السابق (حسين علي هبري) وبين الرئيس (محمد عبدالله فرماجو) حول ما إذا كانت الانتخابات العامة المقررة في فبراير 2021 ستجرى في موعدها، فرئيس الوزراء كان يرغب في أن تكون في موعدها، بينما الرئيس كان يفضل تأجيلها، ولهذا السبب وجد رئيس الوزراء نفسه خارج السلطة عبر تصويت غير متوقع بحجب الثقة، الأمر الذي دعا إلى أن تتأجج هذه التوترات داخل مؤسسات الدولة الهشة، وتتهم الحكومة قوى خارجية بإعاقة الجهود الرامية للتوصل لاتفاق نهائي يمهد الطريق لإجراء انتخابات عامة في البلاد، كما تتهم بعض المرشحين المحتملين لرئاسة البلاد بدفع المتظاهرين للقيام بتمرد مسلح على أنه مظاهرة سلمية يكفلها لهم الدستور،وفي الوقت نفسه تتهم المعارضة الصومالية القوات التركية التي تقوم بتدريب قوات الشرطة الخاصة بأنها تقف خلف هذا السيناريو المرعب، وأنها هي التي تولت قمع المحتجين مستخدمة الرصاص الحي ضد المتظاهرين في (مقديشو) وأن المدرعات التركية تنتشر في شوارع العاصمة مما يظهر حقيقة تورط (أنقرة) في إشعال الصراع. كل المؤشرات تدل على عودة شبح الحرب الأهلية في الصومال مجددًا، فهناك خمسة جيوش أفريقية وأجنبية، ومستشارون عسكريون من دول عديدة ينشطون حاليًا في الصراعات الداخلية في الصومال، بالإضافة إلى (حركة الشباب) التي ظهرت (كحكومة ظل) داخل العاصمة، حيث تفرض ضرائب، وتهدد الشركات، وتدير محاكم شرعية، وتنفذ عمليات قتل وهجمات انتحارية تستهدف فنادق ومكاتب حكومية، وتجمع إيرادات أكثر من إيرادات الحكومة، فكيف للصومال أن تحظى بالأمن والاستقرار وسط كل هذه التدخلات وتلك الجيوش؟!.