بعد إعلان الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، عن خطط منظمته لزيادة أعداد قوات الحلف في العراق بنحو ثمانية أضعاف، من 500 جُندي ومُدرب، إلى عدد يتراوح بين 4 إلى 5 آلاف، ارتفعت وتيرة الخلافات بين القوى السياسية العراقية، بين جهة رأت بهذه الزيادة مصلحة العراق في مواجهته للتطرف، وأنها تجري بموافقة من السلطة الشرعية الحاكمة، وقوى أخرى رأت فيها غطاء لزيادة نفوذ القوى العسكرية الأجنبية بالبلاد. وارتفعت حدة النقاش السياسي العراقي طوال اليومين الماضيين، بالرغم من التطمينات التي حاول مستشارو حلف " الناتو" نقله إلى القوى السياسية والرأي العام العراقي، معتبرين بأن المهمة الوحيدة لهذه القوات ستكون تدريبية، وستشمل الآلاف من أفراد القوات المسلحة العراقية"، لزيادة فاعلية هذه القوات في مواجهة تنظيم "داعش" الارهابي، الذي زاد من عدد ونوعية هجماته طوال العام الماضي، بحيث صارت إمكانية عودته لاحتلال بعض المناطق العراقية غير مستبعدة. وأضاف مستشارو "الناتو" أن هذه المهمة الأطلسية التدريبية موجودة منذ العام 2018، وحسب اتفاقيات وتفاهمات عسكرية واضحة مع الحكومة العراقية، وأن ما يجري راهنا هو فقط تطوير لتلك المهمة، بعدما توقفت فعليا منذ قرابة العام، بعد عملية اغتيال القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. ولم يخفت الجدال بين القوى السياسية العراقية، بالرغم من تأكيد مستشار الأمن الوطني العراقي قاسم الأعرجي قانونية مهام حلف "الناتو" الجديدة في العراق، حيث كتب في منشور على صفحته الرسمية في "تويتر": "حلف الناتو يعمل مع العراق وبموافقة الحكومة العراقية وبالتنسيق معها، ومهمته استشارية تدريبية وليست قتالية. نتعاون مع دول العالم، ونستفيد من خبراتها في المشورة والتدريب، لتعزيز الأمن والاستقرار ولا اتفاق عن أعداد المدربين". شخصيات سياسية ومنابر إعلامية منضوية وقريبة من ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ويُعتبر أقرب القوى السياسية العراقية الممثلة لسياسة إيران في الداخل العراقي، أعربت عن تشكيكها بمهمة الحلف، مذكرة بأن القرار وإن كان جاء عبر وبموافقة الحكومة العراقية، إلا أنه "غير مدروس وسيؤدي إلى توترات كبيرة في البلاد والمنطقة". كذلك قال النائب رعد الماس، العضو البرلماني البارز في الائتلاف: "العراق ليس بحاجة إلى أية قوات أجنبية إضافية على أراضيه، وهو بالأساس لديه قرار رسمي بإخراج كل القوات الأجنبية وليس زيادتها". تصريحات البرلماني العراقي، وما شابهها من تصريحات موازية على وسائل الإعلام العراقية طوال الأسبوع الماضي، اعتبرها مراقبون بمثابة تهديد أولي بإمكانية استهداف بعثات الحلف في العراق، مثلما يتم استهداف قواعد ومراكز تمركز القوات الأمريكية. وتحدث مصدر برلماني عراقي من الموصل في تصريحات إعلامية عن مساعي العديد من الكتل البرلمانية العراقية للقيام بتحركات تشريعية، لعرقلة قرار وتوافق الحكومة المركزية العراقية مع حلف شمال الأطلسي. وأضاف المصدر أن هذه القوى البرلمانية، تعتبر أن أي قرار بزيادة تعداد القوات العسكرية داخل العراق، يُفترض أن يمر عبر البرلمان العراقي، وليس للحكومة العراقية أن تتخذه دون تشريع وموافقة برلمانية. وأكد المصدر طبيعة الانقسام السياسي البرلماني الداخلي في العراق بشأن هذا الملف، موضحا: "تقف كتلتا الفتح ودولة القانون على رأس القوى السياسية الداعية لإجبار الحكومة للعودة إلى البرلمان وإصدار تشريع بشأن زيادة القوات الأجنبية في البلاد، وهي بذلك تنفذ إرادة سياسية وداخلية معروفة التوجه، ساعية للتخلص من أي نفوذ عسكري خارجي في العراق، وبالتالي خلو الأجواء لسيطرة قوات الحشد الشعبي على العراق عسكريا وأمنيا". وتابع المصدر قائلا: "ما هو غير واضح بالنسبة للقوى البرلمانية الكردية والسُنية، هو موقف التيارين السياسيين الشيعيين الآخرين، التيار الصدري وحزب الحكمة (تيار الحكيم)، إذ أنه وفق توجهات هاتين الكتلتين، يمكن للقوى البرلمانية الكردية والسُنية تحديد إمكانية خلق توازن ضمن البرلمان العراقي". وقبيل حدوث تحرك برلماني مستقل، تتوقع الأوساط السياسية العراقية دعوة البرلمان لمستشار الأمن القومي العراقي ووزير الدفاع إلى جلسة مساءلة برلمانية، وربما رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي نفسه، التي من المتوقع أن تكون بمثابة "مبارزة" سياسية فاصمة بين الحكومة والقوى السياسية التي تُعتبر مظلة للحشد الشعبي. وتلخيصا لقضية الشقاق الحالي بين الساسة العراقيين، قالت المحللة في معهد "نيولاين للسياسة والاستراتيجية"، كارولين روز: "مهمة الناتو تقوم بمقاربة أكثر شمولية للقوات المسلحة العراقية بأكملها، لضمان ان لدى العراق مؤسسات مستقرة وقوية بإمكانها حمايته من كل اللاعبين الخارجين، وليس فقط جماعة داعش، وهذا يشمل الميليشيات المارقة أيضا".