نما قطاع التعليم الجامعي في بلدنا الحبيبة بدعم قيادته المستشرفة لتحديات المستقبل خلال العقد الماضي تنمية كبيرة ومشهودة. ولعل القارئ الكريم يدرك أن رسالة ومهمة الجامعات لا تخرج عن الأدوار الثلاثة الجوهرية: التعليم، البحث العلمي، وخدمة المجتمع، وجميعها على قدر متساوٍ من الأهمية لتقوم الجامعات بأداء الرسالة المناطة بها على الوجه الأكمل.. على الصعيد العالمي فإن الجامعات المرموقة توازن بين تلك المتطلبات بشكل دقيق ومتناسق.. نراها تقدم تعليم جامعي عالي المخرجات ويكسب الطلاب منهجيات التفكير والتحليل والنقد والقدرة على طرح التساؤلات ويمنحهم قدر كافي من المعرفة ويدربهم على مهارات سوق العمل والتي تتغير بشكل متسارع مع تقدم وتيرة الثورات التقنية والصناعية المتتالية.. كما تساهم في تحريك عجلة البحث العلمي الرصين إذا توفرت البنية التحتية البحثية المناسبة والموارد البشرية المؤهلة والمدربة والموارد المالية الكافية.. بالإضافة إلى ذلك فإنها تساعد في تطور وتنمية مجتمعها ومواجهة تحدياته وحل مشكلاته. وأعتقد أنه من المهم الوقوف ملياً عند تلك المحاور والتأمل في طبيعتها وأبعادها وطرح أسئلة من الأهمية بما كان طرحها ومحاولة الإجابة عليها لكي ترسم خريطة طريق واضحة المعالم تجاه تعزيز دور الجامعات وضبط بوصلتها: هل تعاملت الجامعات بكل موضوعية وإتقان وجسارة مع الأدوار الثلاثة الآنفة الذكر ووجهت كل طاقاتها وخططها وجهودها وبرامجها تجاه تحقيقها؟ قد نلاحظ بعد لحظات من التأمل تباين من جامعة الى جامعة أخرى لعدة اعتبارات قد لا يكون المجال ملائماً لمناقشتها في هذه المقالة.. لكن بكل تأكيد أن الأداء لم يكن بحجم المأمول والمستهدف. ويزداد التباين وضوحاً بين الجامعات الأم "إن جاز التعبير" والجامعات الحديثة في الأدوار الثلاثة شكلا ومضمونًا، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن الجامعات الأم في أكمل صورة أو في وضع أفضل أداء بل ان الجميع في حاجة ملحة لاستحداث مؤشرات أداء تقيس جودة التعليم المقدم، وكذلك جودة ومتانة الإنتاج العلمي والمشاركات البحثية، ومدى الإسهام المجتمعي والانفتاح على المحيط الخارجي. تعيش معظم الجامعات السعودية ان لم يكن جميعها في شبه عزلة بمجرد فصلها عن محيطها فصلا مكانياً بجدران أسمنتية والتي تشكل أيضاً في وجهة نظري حاجزًا نفسياً لا يقل تأثيرًا عن الفصل المكاني.