"يُحكى قديماً أنَّ راهبين (تنزان وإيكيدو) كانا يمشيان في طريق ريفي موحِل بسبب المطر الشديد فالتقيا بفتاة تحاول أن تعبر الطريق بصعوبة؛ فقام (تنزان) بحمل الفتاة وقطع بها الطريق إلى الجانب الآخر، ثم أكمل الرجلان طريقهما بصمت، وبعد خمس ساعات من المشي توقف الراهب (ايكيدو) وقال لرفيقه "لماذا حملت الفتاة هكذا؟ نحن راهبان لا يجب أن نفعل مثل هذه الأشياء" رد عليه (تنزان) "لقد أنزلتُ الفتاة أرضاً قبل خمس ساعات أمّا أنت فما زلت تحملها إلى الآن"!! تلك القصة تمثِّل واقع غالبية البشر، فالكثير ما زال يحمل الآخر مُثقلاً به طوال حياته، فأصبح عقله كآلة مُهترِئة تدور داخلها الأفكار الملوثة التي أصابتها بالصدأ الدائم. اهدأ قليلاً واصغ إلى ذلك الصوت الذي لا يفتأ يتحدث داخلك "تيار التفكير المتدفق وغير الطوعي والمشاعر المصاحبة له" ذلك هو "الصوت الأنوي" الذي يختبئ خلفك، يحارب لأجل البقاء وتحديد كينونتك التي شكلتها التجارب الماضية (النشأة، الثقافة، البيئة) فيبحث "الأنا" عن ماهيته من خلال التماهي مع الأدوار الاجتماعية التي يؤديها الشخص في المجتمع، ويتجلَّى في صورة التعلّق بالماديات أو بالأشخاص بقوة خوفاً من فقدان تلك الكينونة الوهمية. بقاء "الأنا"معتدلاً لا يشكِّل خطراً على صاحبه، أما في حال تجاوزه حدود الاحتياج إلى حب السيطرة والتملك أو هوس التفوق والنرجسية؛ فهذا مؤشر على الخطر ولابد مِن قرع جرس الإنذار بقوة لئلا يصِل بالشخص إلى مرحلة مرضية تستوجب علاجاً نفسياً. الاستجابة لمتطلبات "الأنا" الجامحة تشبه إدمان (السيجارة) والاستمتاع بإشعالها ونفث دخانها رغم يقين صاحبها الداخلي بمضارها على صحته وحياته، فالبعض يستلِذ باستنشاق الأفكار السيئة ونفث سمومها، فتشعر الكينونة الأنوية داخله بالفوقية أمام استنقاصها للآخر والدونية أمام تفوق الآخر عليها، تلك الحياة كالجحيم تلتهم بنيرانها كل الخير وتعرِّي صاحبها من لذة القلب السليم النقي. استمع لصوتك الداخلي واحكم سيل أفكاره بإعتدال، وجِّه فكرك دائماً نحو الوعي المُستنير واحقنه باستمرار بالأفكار المُتيقِظة، امَّا إن كان الصوت الأنوي سيئاً فأوقفه حالاً وغيِّر مسار بوصلته نحو التفكير الصحيح الذي يدفعك لتحقيق ماهيتك الحقيقية على كوكب الأرض وعمارتها، وإلقاء ثقل الآخر على قارعة الطريق وإكمال المسير بخِفة وسلام.