تلقيت خبر وفاة والدي رحمه الله بطريقةِ عجيبة (هادئة) عندما هاتفني شقيقي الدكتور محمد يطلب مني ضرورة الذهاب لزيارة والدي في مدينة الباحة لأن حالتهُ أصبحت أكثر صعوبة.. أغلقتُ هاتفي ولم أستوعب ان مثل هذا الاتصال في هذه الساعة الباكرة السادسة صباحاً تقول بأن والدي قد انتقل إلى الرفيق الأعلى.. عاود أخي وصديقي وشقيقي الدكتور محمد الاتصال وكنت أعتقد بأن لديه تساؤلاً أو أي أمر آخر ولكنه اسمعني الخبر الأليم بأن الوالد قد انتقل إلى رحمة الله. اللهم ارحم والدي واغفر له وأسكنه فسيح جناتك. من هنا بدأت مرحلة من شريط الذكريات مع الراحل والدي الذي كان يسأل ويتابع ويهتم ويتكبد المسافات من أجل أسرة كريمة وعائلة صالحة وأبناء مميزين.. استعرضت ملف التربية والتنشئة العفوية بعيداً عن التكلف والتصنع والرياء والسمعة.. استعرضت ملف التعليم وصباحات النسيم الطويلة ومساءات الغرام العليلة التي رافقناه فيها اثني عشر عاماً.. تليها مرحلة أخرى من التعليم الجامعي لحظة بلحظة حتى وإن أصبحنا في مواقع ومدن أخرى.. استعرضت ملفات العلاقات والوصال والمحبة والتقدير والاحترام مع نفسه والآخرين.. وتمعنت في تفاصيل الصفاء والنقاء.. استعرضت ملفات المتابعة بالسؤال والجواب والتعرف على تفاصيل مرحلة الحياة الخاصة لكل ما يهمه من حوله مع الأبناء والأقارب والمحبين.. انتقل شريط الذكريات لكل المواسين والمعزين والمتصلين بالدعاء للراحل واستعراض مواقفه ومناقبه وابتسامته العريضة مع الجميع.. كان والدي حريصاً جداً على زيارة رفقاء دربه الذين يكبرونه أو يصغرونه وكان يشعرهم بالقوة والتحدي.. فنقاشهم وحديثهم وحوارهم (أجمل) من يدونه كتاب أو يختزله مقال.. العفوية والمحبة عنوان والتقدير والاحترام إطار مصنوع من ذهب.. هكذا كان بعض من والدي الذي صعَّب رحيله عليّ كتابة الأسطر البسيطة أو الكلمات المتواضعة في حقه أو المفردات التي تصف جمال حياته من البداية إلى النهاية .. لقد صعّب والدي المهمة علينا في مواصلة مشواره الفخم .. فقد وصل للقمة بالمحبة والكرم والشجاعة والفروسية ومحبة الناس وخدمتهم.. لقد صعَّب علينا المهمة في الوصول لما قدم من عادات وتقاليد سامية يدركها الأجيال والأجداد والأباء.. والدي باختصار هو مجموعة إنسان في حياته وأرجو الله ذلك بعد مماته.. اللهم ارحم عبدك سلمان بن عبدالله واغفر له وأسكنه فسيح جناتك و"إنا لله وإنا إليه راجعون".