عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. ومجالسنا اليوم لا تخلو من الرويبضة.. أينما تذهب تجد الرويبضة.. تجده يسعى وراء إثبات الوجود بصوته العالي، يبحث عن العز دائمًا، لا يفنى ولا ينتهي، بمعنى المهابة والضجيج، لذلك يسعى الرويبضة دائمًا إلى البحث عن الأسباب التي يظن أنها تمده بالعز الدائم والمستمر.. ويتصور أن تلك الأصوات قائمة فيما حوله من أسباب الدنيا كالمال، والمصاهرة، والأخلاق والحسب والنسب، والجاه والقوة وينسى أثناء بحثه عن تلك الأسباب أنها كلها إلى زوال وفناء.. عجبًا لبعض بني البشر ما أن يحضر المجالس إلا وتعرف عن وجوده، حيث يجيد المراوغة والدهاء وينسى أن هذا الأسلوب لا يتفق مع صفة المؤمن، فعواصفه العاتية قد أطاحت بهامات من كان قبله.. فالدنيا غرارة خداعة.. إذا حلت أوحلت.. وإذا كست أوكست.. وإذا جلت أوجلت.. ونحن نهمس في أذن هذا الرويبضة المغرور.. أولئك القلة من الرويبضة ولله الحمد، الانتهازيون الذين يتخذون من المجالس سلمًا يرتقون عليه، ماتت ضمائرهم وطغت عليهم الأنانية وحب الذات فلم يستشعروا بغضب الغير على عواتقهم، فسوف يكون هذا الأسلوب حسرة وندامة عليهم في اليوم الموعود يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. حقًا هؤلاء هم صنف الرويبضة، من ينصبون أنفسهم علماء، أو حكماء، أو وجهاء وما هم إلا متفيقهون ومتشدقون، بل جهال ذوو عقول خاوية، تصيرهم الأهواء وتحكمهم الشهوات.. لقد هاجت الدنيا وماجت، ولم تعد ساكنة كما كانت.. ففي الماضي القريب لا نكاد نسمع إلا العقلاء والفطناء والحكماء هم الذين يرسمون لنا الطريق، فالرويبضة لا نعلم له اتجاهًا ولا نهاية، يشعل النيران ويعبث في الخفاء، يسير خلف السطحيات ويترك الأولويات ولا حول ولا قوة إلا بالله.. ذلك بأن تصدر الجهال في حين فقد العلماء والعقلاء والحكماء وتكلم الرويبضة.. ليت البعض ممن يقرأ هذا يتذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.. وختام موضوعنا هذا هو ختام الحديث النبوي.. فقيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الرويبضة؟ قال: رجل تافه يتكلم في أمر العامة.