هل نحن في زمن الرويبضة؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة». الإدارة الجادة لها شعار واحد قريب في المعنى من هذا الحديث النبوي. تذكرت السيد الوالد (يرحمه الله) بأيام الأدب والعلم والأمانة والوفاء والإخلاص في الإدارة، أيام أن كان المجتمع يعي معنى المعلم والعلم والإدارة المخلصة، أما أيامنا هذه فهي أيام الغفوة أعاننا الله عليها، وما نراه الآن لن يقلل من عزمنا على تجاوزه وأجمل الأبيات التي تزكي غدارة الإدارة هي: وأعز ما يبقى وداد دائم إن المناصب لا تدوم طويلا فالإدارة غدارة مهما طالت لا تدوم. يطلب العبد في الدنيا عزا دائما لا يفنى ولا ينتهي، بمعنى المهابة واحترام الناس، لذلك يسعى الإنسان دائما إلى البحث عن الأسباب التي يظن أنها تمده بالعز الدائم والمستمر. يتصور العبد أن تلك الأسباب قائمة فيما حوله من أسباب الدنيا كالمال، والمصاهرة، والمناصب والحسب والنسب، والجاه والقوة وينسى العبد أثناء بحثه عن تلك الأسباب أنها كلها إلى زوال وفناء. عجبا لبعض بني البشر ما أن يتولى الواحد منهم منصبا مرموقا في إحدى الدوائر التي تعنى بشؤون الناس حتى يسدل الحجب على مكتبه ويتوارى عن الأنظار، وينتقي سكرتيرا يجيد المراوغة والدهاء لتصريف المراجعين ولا يسمح بدخول أحد إلى صومعة هذا المسؤول الهمام إلا المهنئون من الأقارب والأحباب ليحكي لهم قصة كفاحه المرير الذي أوصله إلى هذا الكرسي الوثير، ونسي هذا المسكين أن هذا الكرسي لا يدوم لأحد، فعواصفه العاتية قد أطاحت بهامات من كان قبله من المسؤولين. فالدنيا غرارة خداعة. إذا حلت أوْحلت، وإذا كست أوْكست، وإذا جلت أوْجلت. ونحن نهمس في أذن هذا المسؤول المغرور، مثل الذي دخلت مكتبه قبل أيام، بأنك لم ترشح لهذا المنصب إلا لخدمة الناس وقضاء حوائجهم فيما يخص إدارتك، فإن تولي المناصب تكليف أكثر مما هو تشريف. ليت كل مسؤول يدرك هذه الحقيقة. وبذلك ينال كل مسؤول مخلص شرف المنصب وتحظى جهوده وإنجازاته بالرضا والقبول بإذن الله في الدنيا والآخرة. هذه الأمنية لا ينالها إلا المخلصون ونحمد الله عز وجل بأن بلادنا تزخر من هذه النماذج المشرّفة. وأما أولئك القلة من الرويبضة، ولله الحمد، الانتهازيون الذين يتخذون من مناصبهم سلما يرتقون عليه لقضاء مصالحهم وحوائجهم دون بذل أي جهد يذكر لرفع مستوى أداء العاملين في إداراتهم والعمل الجاد لتذليل العقبات وتقديم أفضل الخدمات للمراجعين. فهذا الصنف من المسؤولين، هم الرويبضة، ماتت ضمائرهم وطغت عليهم الأنانية وحب الذات فلم يستشعروا عظم المسؤولية على عواتقهم، فسوف تكون هذه المناصب حسرة وندامة عليهم في اليوم الموعود يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وختام موضوعنا هذا هو ختام الحديث النبوي، فقيل يا رسول الله وما الرويبضة؟ قال: رجل تافه يتكلم في أمر العامة. ليت البعض ممن يقرأ هذا يتذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين. للتواصل (فاكس 6079343)