تأثر المسلمون كلهم بما حدث في فرنسا مؤخراً من تطاول على سيد ولد آدم خاتم النبيين محمد عليه الصلاة والسلام، وأقول (تطاول) وليس إساءة، لأن مقامه عليه الصلاة والسلام أعلى وأرفع بكثير من أن يسيء إليه بشر، فهم يحاولون أن يسيئوا ولكن هيهات. وتفاوتت ردات الفعل بين استنكار شعبي ورسمي وخطوات راشدة متعقلة كاغتنام الفرصة لنشر سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم في كل مواقع التواصل بلغات مختلفة، والمطالبة بسن تشريعات دولية تحرم وتجرم التعرض لمقدسات المسلمين، وبين ردَّات فعل متهورة ومتطرفة تمثلت في القتل والإجرام كما حدث في نيس بفرنسا، وبعدها في فيينا بالنمسا، وترتب على الحوادث الإجرامية هذه التي لا ترضي الله ولا رسوله أن تعرض المسلمون في بعض دول أوروبا لمضايقات لم تكن لتحصل من قبل بحجة التصدي للتطرف الإسلاموي كما سمُّوه. ويعتقد كثير من المسلمين أن إخوتهم في أوروبا كانوا يعيشون تحت وطأة الاضطهاد والتهميش، وأن كثيراًُ من حقوقهم مسلوب. ولكن من عاش في تلك الدول لسنوات أو حتى شهور وخصوصاً في بريطانيا على سبيل المثال يعلم حق العلم أن جميع المسلمين الذين يعيشون فيها يحصلون على حقوقهم كاملة ولا يُضطهدون ولا يُهشمَّون ولا يُعزلون، بل إنهم يحصلون على حقوق لا يحلمون بعشر معشارها في معظم بلدانهم الأصلية التي قدموا منها، ففي الجانب الديني يسمح لهم مطلقاً بممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية دون أي قيود، فترى المساجد في كل بقعة من بقاع بريطانيا بمآذنها العالية، وبنيانها الإسلامي المتميز، بمعنى أنها ليست منازل حُوِّلت الى مساجد بل بنيت على مساحات كبيرة كما يحدث في أي دولة إسلامية وقد لا يحدث. وأضرب مثلاً بمدينة لستر البريطانية الوادعة التي تقع في وسط بريطانيا وتبلغ نسبة المسلمين من سكانها 30 إلى 40 %، وبها أكثر من 25 مسجداً كبيراً سوى عشرات المصليات والمراكز الإسلامية، ومن بينها (مسجد عمر) بمبناه الضخم ومآذنه الشاهقة ومساحته الهائلة الذي يفوق في حجمه كثيراً من مساجد العالم الإسلامي ويؤمه آلاف المصلين، ونعلم جميعاً أن بعض الأنظمة العربية منعت بناء المساجد الجديدة منذ وقت طويل وليس فيها من المساجد ما يكفي المسلمين فيصلون جماعتهم وجُمعتهم على دفعات. ولحظنا كذلك أن جمع التبرعات مسموح مطلقاً في تلك المساجد في الجمعة وبقية الصلوات وتنتشر صناديق التبرعات في كل أنحاء المسجد، كما تجمع في أكياس من المصلين، وجمع التبرعات في المساجد أو خارجها محظور تماماً في معظم الدول الإسلامية خارج نطاق المؤسسات والمنظمات المصرح لها خصوصاً النقود السائلة. أما الطعام الحلال فتجده في كل مكان في لستر وغيرها من مدن بريطانيا في المتاجر والمطاعم ولا يمكن أن تتعب أبداً في العثور عليه وأصبح غير المسلمين يقبلون عليه لنظافته وصحيّته. وإن كان ذلك مظهراً إسلامياً مهماً، فإن المظهر العام للمسلم ليس مستنكراً أو مرفوضاً، فترى غالبية الرجال بزيهم الإسلامي وعمائمهم ولحاهم والنساء في حجابهن الكامل أو نقابهن دون أي مضايقات. ومعروف أن تلك المظاهر محظورة في غالبية الدول العربية والإسلامية. وفي الأعياد يترك المجال للمسلمين للاحتفال كيف شاؤوا بحرية تامة، فتقام صلاة العيدين مثلاً في (فيكتوريا بارك) أكبر الحدائق العامة في لستر ويصلي فيها المسلمون بعشرات الآلاف. ناهيكم عن تمتُّع المسلمين بالرعاية الصحية الكاملة المجانية والتعليم الرفيع الجيد لأبنائهم دون أي مضامين دينية. وتمنح الجنسية للمسلمين أسوة بسواهم من أصحاب الأعراق والديانات دون أي تمييز. فماذا يريد بعض هؤلاء من المحسوبين على الإسلام بعد ذلك؟، وهل تقابل كل تلك الرعاية للمسلمين بالقتل والدهس والترويع والإجرام الذي لا حدود له؟ لينعكس ذلك سلباً على المسلمين الشرفاء في أوروبا؟. لا يمكن أن يكون هؤلاء مسلمين حقاً ولابد من أن يكون هناك من يقف وراءهم من دول ومنظمات راعية للإرهاب وعدوة للإسلام والمسلمين.