يتفق الجميع على حب الوالدين لأبنائهما، ورغبتهما في تحقيقهم النجاحات في دراستهم وحياتهم العملية، إلا أن الكثير من التصرفات التربوية الخاطئة يكون منبعها الحب والسعي إلى تحفيز الأبناء والخوف على مستقبلهم. ومن بين هذه الأخطاء الكبيرة والمتكررة في كثير من الأسر محاولة إجبار الأبناء سواء الذكور أو الإناث على الالتحاق بكليات معينة وتحديد تخصصاتهم الدراسية والتي ستؤثر بالطبع على حياتهم ومستقبلهم. فشل واضطرابات ولا يقتصر تأثير هذه التصرفات على أنها تدفع الأبناء إلى مجالات علمية وعملية لا يرغبون فيها ولا تناسب مهاراتهم وميولهم بما يؤدي ذلك إلى احتمال فشلهم في حياتهم العملية، بل يصل الأمر إلى بناء شخصيات ضعيفة غير قادرة على الاعتماد على نفسها واتخاذ القرارات المصيرية، وتكوين مشاعر سلبية من الأبناء تجاه آبائهم وتحميل الأبوين كل الصعوبات التي يلاقونها في حياتهم. وتختلف تأثيرات منع الأبناء من تحديد مستقبلهم من حالة لأخرى، إلا أنها تصل إلى درجات سيئة للغاية إذا اقترن المنع بالأساليب العنيفة؛ كالضرب أو الإيذاء اللفظي والنفسي، والمبالغة في الضغط والخصام بدعوى دفع الابن لبر والديه. وتؤكد الدراسات أن عملية اختيار الطالب للتخصص الجامعي الذي يريد الالتحاق به، من العوامل التي تؤثر على شخصيته، سواء على المستوى النفسي أو الاجتماعي أو الدراسي والتعليمي. إحصائيات وكشفت إحصائية أجريت في بعض البلدان العربية، أن أكثر من 10% من الآباء يتدخلون في اختيار الرغبات الدراسية للأبناء لرغبة الأب في توريث مهنته لابنه، أو الرغبة في أن يمتهن الابن عملًا معيّنًا تراه الأسرة أفضل بالنسبة إليه، من الذي يريده هو، لتأمين مستقبله، هذا بالنسبة إلى الأبناء الذكور. أما بالنسبة للإناث فوجدت الإحصائية أن أكثر من 40% منهن يخضعن لتدخل الأسرة في اختيار رغباتهن؛ نظرًا للظروف الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تحكم المجتمع. ومن العوامل الأساسية التي يجب مراعاتها عند اختيار التخصص الجامعي، الرغبة والميول للطالب، وماذا يريد أن يكون في المستقبل، وألا يكون بناءً على رغبة الوالدين فقط، أو تمشيًّا مع اختيار أصدقاء الدراسة، أو بناءً على سمعة التخصص ونظرة المجتمع. وكذلك يجب التعرف على التخصص من حيث نظام الدراسة، والمقررات، ومدة الدراسة، واللوائح والأنظمة المتعلقة به، إضافة للتعرف على الفرص الوظيفية المتاحة بعد التخرج، ومدى الاستفادة من التخصص في الحصول على الوظيفة المناسبة، وحاجة خطط التنمية وسوق العمل له. لكن العامل الأهم في الاختيار يتعلق بمدى توافق القدرات الشخصية مع التخصص؛ فكلما توافقت القدرات مع متطلبات التخصص، كانت نسبة التكيف أعلى، والاستمتاع بالتعلم أكثر، والقدرة على التفوق أسهل. وتشير الإحصاءات إلى أن 60% من الطلبة يُغيِّرون تخصصهم الجامعي مرة واحدة على الأقل أثناء دراستهم الجامعية نتيجة لسوء الاختيار، وهذا التغيير لا يكون -قطعًا- دون ثمن، إذ يتسبب في تضييع العمر والجهد والمال، وقد لا يكون تغييرًا للأفضل بل هروبًا من واقع فُرض على الطالب. التوجيه مسؤولية ولا يعني عدم إجبار الأبناء على كلية أو تخصص معين، أن يَترك الآباء أبناءهم وحدهم في هذه المرحلة الحساسة، خاصة إذا كانوا لم يحددوا مسبقًا اتجاهاتهم، ولكن يكون التدخل على سبيل النصيحة وإبداء الرأي وإيضاح المعلومات. يقول الكاتب محمد بن سعد بن صالح: إن تحديد التخصص الجامعي من المراحل المهمة في حياة الأبناء؛ لما في ذلك من تأثير على مستقبلهم وحياتهم، داعيًا إلى ترك الاختيار النهائي لهم، وذلك بإيضاح الجامعات التي يمكن الالتحاق بها في المنطقة والتخصصات الموجودة في هذه الجامعات وشروط ومتطلبات تلك الأقسام والنسب التي تخولهم الالتحاق بها والمميزات المستقبلية في تلك الأقسام. ويطالب ابن صالح الآباء بالعمل على اكتشاف مدى ميول هؤلاء الطلاب والطالبات ورغباتهم وإمكاناتهم، وذلك من خلال الجلوس معهم ومناقشتهم مع الاستعانة ببعض المختصين وأصحاب الخبرة واستقاء المعلومات من مصادرها من الجامعات وتوفيرها للأبناء للاطلاع عليها، ومحاولة التنسيق للقيام بزيارة ميدانية للجامعات قبل الالتحاق بها. وفي الوقت ذاته على الأبناء الدور الرئيس في أن يتعرفوا على ميولهم ويحددوا رغباتهم ويفتحوا آذانهم وقلوبهم لسماع النصح من الجميع، مع الحفاظ على شخصيتهم القادرة على تحليل هذه النصائح.