هل لاحظت أن أكثر ما يدفعنا للضحك في شريط ذكريات الطفولة هي مخاوفنا الصغيرة، تصوراتنا الساذجة، قلقنا غير المنطقي، وهواجسنا غير المنطقية التي تتعرّى بفعل النضج والتعليم والعمر لتصبح مجرد مشاهد من كوميديا ساذجة نسترجعها لنضحك ونُضحك من حولنا؟!. حسناً المضحك أكثر -ياعزيزي- هو أننا برغم تعجبنا الشديد من تملّك هذا القلق الساذج والتصورات الأكثر سذاجة لعقولنا في تلك الفترة، إلا أن كثيراً منا لايزال يكرر نفس الخطيئة تجاه نفسه، فتجده لايزال يعيش تحت ضربات مطارق القلق غير المبرر، وتسيّر عقله التصورات الواهمة التي تكاد تفسد عليه حياته!. والأعجب أنه يرفض نقد أوهامه معتقداً أنها حقائق ومعاناة لا تقبل النقاش، بل ويغضب عندما يسخر منها أحد لأنه يعتقد أن السخرية منها هي سخرية من عقله!. . أعرف أن حديثي اليوم غير مقبول عند بعض من يرزحون تحت أثقال عشرات الأمتار من سلاسل القلق، فهؤلاء يتوهمون أن مخاوفهم فريدة من نوعها، ولا تشبه مخاوف أحد، لذا تجدهم يكرهون أن يكسر أحد خلوتهم مع تصوراتهم المريضة التي تعايشوا معها، ولهؤلاء تحديداً أقول: قد يكون لدى البعض منكم مخاوف حقيقية تستحق القلق، لكن الحل لا يكون بالاستسلام لها أبداً.. عليك أن تتذكر أن الآخرين عانوا مثلك وربما أكثر، ومع هذا فالحياة لا تزال مستمرة.. عليك أن تؤمن أن أغلب مخاوفنا توهمية، وأن طريقة تعاملنا معها هي من تحدد مدى نضجنا ووعينا، وأن مقدار نضجك يتحدد بعدد المرات التي واجهت فيها مخاوفك، قلقك بقوة وشجاعة، وأنك كلما أيقنت أن معظم مخاوفك؛ ودوافع قلقك؛ هي مجرد كوميديا يجب السخرية منها لا الانصياع لها، تم تحررك وشفاؤك منها في وقت أسرع. . قد يقول البعض إن القلق يعد سلوكًا إيجابيًّا ومحفزًا في بعض الأحيان، وبالتالي هو عامل مساعد على تحقيق نتائج جيدة في الدراسة والعمل.. وهذا صحيح لكن ذلك هو القلق الصحي الذي يقع ضمن الحدود الطبيعية، فهو يدفع الشخص للعمل على حل المشكلة التي تسببت في توتره، دون تضخيم ولا تهويل. . يجيب مؤلف كتاب (لماذا لا تصاب الحمير الوحشية بقرحة المعدة؟) على عنوان كتابه الشهير بأنها -يقصد الحمر الوحشية- حينما تتعرض لهجوم، إما أن تهرب أو تستسلم، لكنها لا تتعرض للضغط العصبي، أما نحن فنصاب بالقرحة ونعاني الكثير من الأمراض بسبب القلق والضغوط النفسية، فثمة علاقة بين القلق وارتفاع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب وقرحة المعدة، ويرى أن هذا التدمير الصحي يمكن أن يحدث بعد أسبوعين فقط من القلق المبالغ فيه. . تأكد أنك ستضحك يوماً ما على كل مخاوفك وتوهماتك الحالية، عندما تكتشف أنك قد ضخَّمتها كثيراً، وأنها لا تستحق كل هذا الاهتمام الذي استنزفك.. المسألة مسألة وقت فقط.