مع بداية كل سنة هجرية أو ميلادية أو دراسية، تتحفّز النفوس الكبيرة لأن تجعل من هذه البدايات نقطة انطلاق جديدة، ومرحلة انتقالية للمحاسبة والمراجعة، يلتفت فيها العُقلاء نحو ما مضى من أوقاتهم متسائلين بعقليّة التاجر عن الربح والخسارة، ومتأملين بعين المُفكر حجم الإنجازات وأسباب الخسارات، أما الآخرون فهم في سكرات الغواية، تأتيهم بصور مُثبِّطة، وسلوكيات مُحطِّمة مثل: الكسل والملل، واحتقار الذات، والجهل بالأولويات، وغياب الطموح، ودنو الهمة، والتسويف والتأجيل، وعدم تنظيم الوقت، والانهماك في الترف، والانشغال بالأمور التافهة.. ونستطيع حصرها في: غياب الوعي، والانشغال بالآخرين، وعدم استثمار الوقت. العُقلاء يتحدثون عن النجاح باستمرار، ويتشوفون إلى بلوغه، ويسعون إليه بكل عزم وتفاؤل، باذلين ما في وسعهم، فالنجاح باختصار تحديد أهداف واضحة كبيرة، وتقسيمها إلى أهداف صغيرة، واكتساب عادات مفيدة جديدة، والمثابرة على فعلها بصورة مستمرة. الحديث عن الانشغال بالآخرين يطول ويتشعّب، ولكننا لو تحدثنا فقط عن الانشغال في (الماجريات) لوجدناه عائقاً ضخماً، يبتلع الطاقات والأوقات، في السؤال عن ما جرى وما سيجري، من وقائع وأحداث وأخبار، فتتصيّده شبكات التواصل وتغويه، ويبدأ بالفضول واختلاس النظرات هنا وهُناك، وينتهي بالتفاعل والتواصل والانهماك، لا يتذكر أين بدأ، ولا يعرف متى ينتهي، ينتقل بين رسالة وتغريدة وصورة ومقطع مرئي، عقلٌ مُشتّت ووقتٌ ضائع ورأسٌ محني، وإن سألته عن أمر فهو يدري ولا يدري، معلوماته سطحيّة ناقصة، مصدرها في الغالب غير موثوق، ويكتنفها التحيّز والغموض، توازنه مضطرب، وعزيمته هابطة، انكفاؤه على ذاته وميله للانعزال عن الواقع مستحيل، وانهماكه في الواقع وتفاصيله يلهيه عن حياته وأولوياته، فالانغماس في مستنقع (الماجريات) من أكبر عوائق الإنجازات. الحديث عن استثمار الوقت يتجدّد بتجدُّد الشواغل، ويتأثر بعدد من العوامل منها: وضوح الهدف، قوة الشخصيّة، الإيمان بقضية، التمتع بمرونة شخصيّة.. ومن يُطالع كتب السير والتراجم لأعلام الإسلام، يجد نماذج رائعة في حُسن استثمار الوقت، وقد جُمعت بعضها في كتاب: (البرامج اليوميّة لأعلام الأمة الإسلاميّة). في الختام نعود للبداية، فمنها نبدأ، وإليها نعود حتى ننطلق بدماء جديدة، ونوايا حسنة، متوكلين على الله عز وجل في جميع أمورنا، باذلين الأسباب حسب استطاعتنا، فالإنسان مسؤول عن السعي لا عن النتيجة.