كما هو معروف، فقد تمكن البرلمان الليبي والمجلس الرئاسي في بيانين مستقلين من اتفاق على وقف إطلاق النار في كافة الأراضي الليبية فورًا، والتمهيد لانتخابات رئاسية وبرلمانية في شهر مارس من العام المقبل، وقد لاقت هذه الخطوة ارتياحًا إقليميًا ودوليًا، لكن عاب عليهما أن الطرف الآخر (حفتر) لم يكن في الصورة عند اتخاذ هذه الخطوة، وهناك شروط بالتأكيد لن يقبلها، وفي المقابل هو لديه شروط من أجل وقف إطلاق النار، ف(السراج) اشترط بأن تصبح (سرت والجفرة) منطقة منزوعة السلاح، وأن تشرف على أمنها قوات من الجانبين مع استئناف الإنتاج والتصدير في الحقول والموانئ النفطية، وتودع الإيرادات في حساب خاص بالمؤسسة الوطنية للنفط لدى المصرف الليبي الخارجي، ولا يتم التصرف بها إلا بعد التوصل إلى ترتيبات سياسية جامعة وفق مخرجات برلين، والبرلمان الليبي يرى في بيانه بأن هذا القرار يقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية، ويخرج المرتزقة ويفكك الميليشيات، ويساهم في عودة ضخ النفط، وتتحول (سرت) إلى مقر للمجلس الرئاسي الجديد ، بينما يرى (حفتر) بأن مبادرة السراج هي (للتسويق التجاري) فقوات الوفاق لازالت تواصل حشودها العسكرية لاستهداف مواقع الجيش الوطني في (سرت)، كما يرفض مقترح جعل (سرت) منطقة منزوعة السلاح. وفي الوقت الذي لم تعلن فيه (أنقرة) موقفها من الاتفاق، جاء رد الجيش الوطني بأن لديه هو الآخر شروطًا للقبول بأي مبادرة لوقف إطلاق النار، حيث اشترط سحب الميليشيات عن حدود (سرت والجفرة) وتفكيك القواعد العسكرية التركية، وإلزام تركيا بسحب قواتها من ليبيا، وتجميد الاتفاقات المبرمة بين رئيس حكومة الوفاق مع تركيا، وتأمين المناطق النفطية دون مشاركة حكومة الإنقاذ. والمتابع للقضية الليبية يدرك بأن لا شيء سوف يتحقق على أرض الواقع، فالمجلس الأعلى الموالي لحكومة الوفاق يرفض الحوار مع (حفتر)، وهدد بأنه إذا لم يستجب حفتر لمبادرة وقف اطلاق النار فإنه سيسمح لحكومة الوفاق أن تطلب مساعدة حليفها تركيا لحسم الأمر، ونستدل في ذلك بعدة مؤتمرات ولقاءات باءت جميعها بالفشل، مثل اتفاق (الصخيرات) عام 2015 برعاية الأممالمتحدة، وقمتان في فرنسا عام 2017 التي تعهد فيها (السراج وحفتر) بإخراج البلاد من الأزمة، وقمة (بالريمو) عام 2017 لمحاولة التقارب بين السراج وحفتر، وقمة (أبوظبي) عام 2019 والتي وقع فيها الطرفان بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حينها، ومؤخرًا قمة (برلين) ولم يتحقق أي تقدم. وبرز وسط هذه الخلافات والتباينات في الرؤى صوت (لواء الصمود) المتحالف مع قوات حكومة الوفاق محتجًا هذه المرة، ومنقلبًا على حكومة الوفاق، واصفًا إياها بأنها هي وجيش (حفتر) وجهان لعملة واحدة، مهددًا بأن قواته بالتحالف مع كتائب إسلامية أخرى عادت للمشهد بقوة وأصبحت تسيطر على مواقع حساسة لن تفرط فيها أو تتنازل عن مكاسبها، وزبدة الحديث أن كل ما تم بناؤه معرض للهدم طالما أن تركيا وجحافلها ومرتزقتها يمسكون بزمام الأمور في طرابلس أمنًا وشرطة، ألم يمنع الضباط الأتراك المسيطرين على مطار الكلية الجوية بمدينة (مسراته) دخول 40 ضابطًا وجنديًا إيطاليًا إلى المدينة؟! . نقيس على هذا بعدم إمكانية حكومة الوفاق أن تتخذ أي قرار في ليبيا بدون علم الأتراك، خصوصًا قرار وقف إطلاق النار، والأتراك لم يأتوا للنزهة، بل لتحقيق مكاسب مادية وبناء قواعد عسكرية لهم للسيطرة فيما بعد على كل دول الجوار الليبي، فالخروج من الاتفاق مع الأتراك ليس كالدخول.