الأصل في العبادة هي أداءها طاعة لله دون تعلل ولكن حينما يدرك الإنسان السبب في أداءها فقد يعين ذلك على ضبط أداءه والاستمتاع بها روحياً ونفسياً حيث تحقق العبادة الغاية منها.. فالحج هو عباده من أجل العبادات عند رب العالمين بعد الايمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله، وذلك لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور. وحينما يعلم الإنسان المعاني السامية من شعائر الحج يؤديها على أكمل وجه ولتكون أدعى للعمل بها والقبول من الله له، ووفق إرادته عز وجل وحكمته التي فيها المصلحة والمنفعة للإنسان المسلم؛ فالحج تذكير الحاج بمرحلية الحياة وحتمية الرجوع إلى الله تعالى، وحتمية البعث والحساب والجزاء وأن هذه الحياة الدنيا مجرد طريق للآخرة. ومن المعاني السامية لأعمال الحج؛ غُسل الاحرام ويذكر الحاج بغسله ميتاً وهو رمز للطهارة.. وأما الاحرام نفسه فهو يذكر الحاج بالكفن الذي سيلف به جسده وأنه يخرج من الدنيا وزينتها ومباهجها إلى قطعة بيضاء بسيطة.. والوقوف عند الميقات يذكر الحاج بأجله وأنه سيجيئ يوم ويتوقف فيه عن كل ما في الحياة.. والانتقال من الحل إلى الحرم عبر الميقات يذكر بالانتقال من الدنيا للآخرة.. والتلبية هي استنجاد العبد بربه وأنه يلبي دعوته.. والطواف إن كل شيء في الكون يدور حول نفسه عكس عقارب الساعة؛ فالطواف حول الكعبة هو قانون إلهي يخص كل المادة الكونية وأن حركتها هي تسبيح لله عز وجل وتمجيده كما قال عز وجل: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)، وهو عمل الملائكة في البيت المعمور.. والصلاة بمقام إبراهيم تذكرنا بجهاد ابراهيم الخليل وبقية الأنبياء المرسلين حيث ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبياً جاءوا حجاجاً فقبروا هناك.. والسعي بين الصفا والمروة يذكر بهاجر أم اسماعيل عليهما السلام وهي تركض بين هذين الجبلين تبحث عن الماء لصغيرها ولإيمانها القوي بالله سبحانه وتعالى حين تركها سيدنا ابراهيم في هذا الوادي.. وشرب ماء زمزم: يذكرنا بقدرة الله العظيم حينما فجر الماء في هذا الوادي الأقفر لتكون ماءً سلسبيلاً على مر التاريخ ولا ينضب معينها ومنذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة. والوقوف بعرفة وهو الركن الأعظم في الحج؛ حيث ينزل الله للسماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء يذكرنا بيوم الحشر والعرض الأكبر، واحتشاد الخلائق على صعيد واحد.. والمبيت بمزدلفة يذكرنا بآلاف الأنبياء والمرسلين الذين وقفوا للاستراحة والتزود من الطاعة قبل الانتقال إلى منى وهي شعائر وسنن الأنبياء وسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. وأما النحر يذكرنا بفداء الله لنبيه اسماعيل بالكبش إكراماً لطاعته وصبره وصبر وطاعة والده ابراهيم عليهما السلام، والحلق والتقصير رمز للتطهر من الذنوب والآثام.. ورمي الجمار تأكيداً على حقيقة الصراع بين الشيطان والإنسان وحتمية انتصار العبد المؤمن على الشيطان.. واما التحلل من الإحرام وطواف الافاضة والوداع فهي رموزاً لانتهاء شعائر الحج وعودة إلى طبيعة الحياة، ولكن مع الحذر من الوقوع مرة أخرى في المعاصي التي تفسد علاقتنا بربنا.. فهنيئاً لمن يحج ويستشعر تلك المعاني السامية.