عقب عراكنا مع كورونا وما تبعه من خوف وتدمير نفسي من تلك الأيام الطويلة والليالي الموحشة التي أحاطت بنا بسياج الهم والقلق.. استشعرت الحب الإلهي في كل الدروب، وإننا ننمو من خلال كل تجربة نمر بها، وكم خلق الله الإنسان ضعيفاً.. حقاً لم نكن نريد أن نكون الأفضل في العالم، ولا الأغنى بين البشر، كل ما نريده هو الأمان، وهدوء البال، والاطمئنان على من نحب، وسنكون راضين عن كل شيء، فكل ما في هذه الحياة الدنيا لا يساوي شيئاً أمام الصحة واستقرارنا النفسي وراحة أرواحنا وسكينة قلوبنا والنوم الهادئ.. تعلمنا جيداً أن نحب أيامنا بداخل منازلنا الآمنة المطمئنة، استشعرنا قيمة نعم الله التي اعتدنا عليها فجلهنا قيمتها وقيمة الأيام الطيبة، فاليوم الطيب رزق، والعائلة والجار والصديق المخلص رزق، والقدرة على التكيف مع مختلف الظروف رزق، وانشغال القلب بطاعة الله والامتلاء به رزق.. فلنراجع أنفسنا.. ولنرضى بأقدارنا وحياتنا وما كتبه الله لنا، ولنتوقف عن العتب فلو كان للعتاب فائدة ما أسرها يوسف في نفسه، فلنعفو ونصفح لراحة أنفسنا.. قال تعالى «فمن عفا وأصلح فأجره على الله». ولنستمتع بخلواتنا ولنكتفي بذواتنا فلو كان لمخالطة الناس في الحزن أثر لما تولى يعقوب عنهم.. ولنتعلم الكتمان فعواقب الفضفضة أصعب من عواقب الكتمان، فالكتمان يؤلم ولكن الحديث لن يغير شيئًا ولو كان في البوح فرج لما نذرت مريم أن لا تكلم اليوم إنسياً.. حين يهدأ ضجيج الأفكار وتتلاشى الرغبات سنستشعر بمعية الله وسنتمكن من فهم ذاتنا والآخرين ونستطيع أن نتحكم بمصيرنا.. وأختم بقول الإمام ابن القيّم -رحمه الله-: «الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين، وقرة عيون المشتاقين، ومن ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ الله صدره غنىً وأمناً، وفرَّغ قلبه لمحبته والإنابة إليه والتوكل عليه، ومن فاته حظُّه من الرضا، امتلأ قلبه بضدِ ذلك واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه».