أحدثكم اليوم عن العمل التطوعي قديمًا في مدينتي (تنومة الزهراء) ففي بداية الخمسينيات من القرن الماضي كان شريان الحياة للمجتمع التنومي قد ازدهر عن ذي قبل وكان انتعاش الحركة التجارية في (سوق السبت) هو الأساس لذلك، فهو سوق قديم قدم التاريخ، فبعض المؤرخين يقول إنه من أقدم الأسواق في الجزيرة العربية ويقال إنه تأسس في القرن الخامس الهجري. وسوق السبت هو سوق أسبوعي كان يقام كل يوم سبت يفده جمع غفير من أفراد القبائل المحيطة بتنومة سواء للتسوق أو لبيع ما يجلبونه من ثروات حيوانية أو منتجات زراعية، ولكن في ذلك الوقت يفتقر السوق أو الأماكن القريبة منه إلى وجود مطاعم أو مقاهٍ ليرتادها المتسوقون وخاصة القادمين من مناطق بعيدة لتناول وجبات الطعام وشرب الماء والشاي والقهوة. إلا أن بعض النساء اللاتي يسكن في البيوت المحيطة بالسوق كان لهن الشرف أن يكن أول متطوعات لخدمة المتسوقين.. يقمن بتقديم الأكل والشرب والماء بالمجان في بيوتهن بموافقة أزواجهن كل واحدة بالطريقة التي تناسبها.. ومن هؤلاء والدتي سرا تساعدها أختي الكبيرة نورة فكانتا تبدآن العمل التطوعي ابتداء من بعد صلاة الجمعة اليوم السابق للتسوق حيث تبدآن بتجهيز الحنفيات الخاصة بالماء وعددها حوالى الخمس حنفيات كبيرة في حوش المنزل ثم تذهبان إلى البئر القريبة من البيت لتلتقيا ببعض النسوة اللاتي سوف يؤدين نفس المهمة وتبدآن بتعبئة قرب الماء بواسطة الدلو وتعودان للبيت لتفريغ الماء في الحنفيات ويستمر ذلك عدة مرات حتى تمتلئ الحنفيات بالماء، وفي هذا اليوم تقومان قبل صلاة الفجر بإشعال النار في ثلاثة (ميافي) لعمل الفطير، وقبل شروق الشمس يكون كل شيء جاهزًا في مجلس مفتوح في حوش المنزل بداخله (صلل) مليء بالجمر في طرفه براد كبير مملوء بالشاهي وبراد آخر مملوء بالقهوة وصينية كبيرة مملوءة بالسمن وسفرة كبيرة بها أكثر من ثمانين فطيرة وفي هذه الأثناء يفتح الباب الرئيسي لدخول الناس (المتسوقين) ليقوم كل بخدمة نفسه بأكل ما يشتهيه وكذلك شرب الشاي والقهوة.. ثم يخرج المتسوقون إلى الحوش لشرب الماء من الحنفيات.. مما يثلج الصدر أن المتسوقين لدى كل منهم إحساس بالآخرين فيقتصدون في الأكل والشرب ليأكل الجميع. باختصار شديد هذا ما كان يحدث في بيتنا كل يوم سبت.