للروح تجليات في أوقات معينة من عمر الزمان قد توافق شهرًا ربانيًا كشهر رمضان أو كل ليلة في أوقات السحر حيث يتجلى الرب عز وجل في السماء الدنيا، وقد تكون في أيام مباركة من الشهر الحرام في الحج ويوم عرفات الذي ينتظره كل المسلمين بفارغ الصبر، ولكن هذا التجلي الروحاني قد تصل له أرواح طاهرة شفافة في كل وقت وحين ولا تنتظر شهرًا أو توقيتًا بعينه لأن الله تعالى معنا في كل وقت.. كل ما نحتاجه هو التأمل بهدوء وتفريغ العقل من الأفكار المشوشة والمقلقة، فاكتساب عادة التأمل الفكري تحتاج منا الخلو بالنفس في غرفة هادئة وبمحاولة غمض العينين والتحليق في ملكوت الله واستشعار نعمه علينا ونكثر من التسبيح والتهليل والحمد لرب جل في علاه، التكرار للباقيات الصالحات والأذكار والصلاة على النبي محمد يجعل الروح تتجلى وتطير فرحًا وسعادة وتستشعر لحظتها بأن الروح تاقت لباريها وأنك كالطير المحلق في الفضاء بعيدًا عن الأرض وعن الطين الذي يثقل كاهلها، استشعرت هذا الأمر بمجرد سماع أخبار عودة الحياة الطبيعية تدريجيًا بعد الحجر، حلقت روحي لتصل لرحاب المدينة النبوية وبالتحديد في الروضة الشريفة وكأنني هناك جسدًا وروحًا من كثرة الشوق لمكان هوته روحي وأصبحت متيمة به تنتظر لحظة اللقاء بكل شوق ولهفة. وأنا أبحث عن كلمات أسطرها لهذا الأسبوع وموضوع أتحدث فيه بعد شهر رمضان وإقبال أيام العيد السعيد تأملت في عالم الحروف والكلمات لأنسج منها موضوعًا يتناسب مع المقام الذي نعيشه ووجدت روحي تدلني على ما أكتب بعد أيام من التجليات الروحانية ومواقف إنسانية عشناها في ألم الفراق لأحبة كانوا بيننا وغادروا الدنيا لعالم الخلود تذكرت أن عمق الإيمان هو الذي يصبرنا في لحظات الضعف البشري وتجديد الرغبة في الحياة واستمرارها فتلك سنة الحياة لن تتغير ميلاد وموت قوة وضعف شباب وهرم ابتسامات ودموع فرح وحزن ولن تبقى هذه المشاعر مستمرة طوال الوقت تتبدل مع تبدل المواقف وتبقى الذكريات حاضرة بيننا ومعنا ونرسل دعواتنا لمن هم في عالم آخر ينتظرنا فأرواحهم تحيط بنا تشعر بما نحن عليه ولن يغيبوا لحظة عن حياتنا.. في منامنا نراهم أحيانًا وفي لحظات تعبنا وهمومنا ندعو الله أن يكونوا في رضا عنا حتى تنالنا رحمات ربنا. الذكاء الروحي موضوع اطلعت عليه مؤخرًا فوافق ما أكتبه الآن، فنحن على علم بما تطرق إليه علماء النفس والاجتماع من أنواع الذكاءات الثمانية لهاورد جاردنر لكل منها نسق خاص به ويشغل حيزًا في المخ تم تحديده بالفحوصات الإشعاعية الحديثة.. وقد اتبع جاردنر نوعين آخرين للذكاءات الثمانية (اللغوي، المنطقي، الرياضي، المكاني، الموسيقي، الحركي، العلاقة مع الآخرين، الذاتي، التصنيفي) وهما الذكاء الوجودي والذكاء الروحي. يقول د. راماشاندران أن عوام الناس تمر بهم لحظات يشعرون فيها بارتقاء روحي وبأنهم يقتربون من الحقيقة عندما يستمعون للموسيقى أو يشاهدون منظرًا طبيعيًا أخاذًا.. أما من اعتادوا على التأمل كالصوفية والرهبان فيدركون هذه المشاعر بشكل أكثر إلحاحًا وأكثر عمقًا.. ومن مظاهر الارتقاء الروحي ما يخبرنا به أينشتين من أن المشاعر الروحية المنفصلة من أي ديانة محددة تجتاحه كلما تعمق في بحث أمر من أمور العلم والكون. ويفسر راماشاندان كلماته بقوله بأن الشعور بالنشوة الروحية تتجلى عندما يستشعر الإنسان بوجود الإله وأنه على اتصال به وما يحدث لنا عندما نشم رائحة البخور والعطور والشموع الفواحة يحدث استجابة روحية في الجهاز الحوفي للدماغ بجوار مركز الشم ونشاط مراكز الشم يؤدي إلى تنشيط مركز المشاعر الروحية. مراكز أبحاث المخ في أمريكا أصدرت كتابًا بعنوان (كيف يغير الإيمان بالله المخ؟) والذي استخلص نتائجه من أبحاث على أعداد من المؤمنين بديانات مختلفة وباستخدام التقنيات الإشعاعية الحديثة لمعرفة تأثير المشاعر الدينية على وظيفة ونشاط المخ.. والتي أكدت على أن الإيمان بإله رحيم كفيل بأن يقلل القلق والاكتئاب والتوتر وأن يزيدنا شعور بالحب والأمان.. وان الصلاة والتفكر والتأمل بإخلاص وعمق كفيل بإحداث تغيرات صحية في وظيفة ونشاط المخ يصحبها سمو في قيم الإنسان وفي نظرته للحياة. خاتمة القول ومسك الختام قول الله جل وعلا في محكم التنزيل (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).