ما أعظم الفقد على النفس البشرية حين تغلي في داخلك براكين المشاعر والأحاسيس وتضيع منك المفردات وتغالبك الدموع ورجفات القلب المكلوم تهيم في فضاء الكون الشاسع وتتذكر بأن الله جل في علاه يختار لمن يحبهم أفضل الأيام وأشرفها وأكرمها، أيام الرحمات والمغفرة والعتق من النيران فتهدأ روحك وتستكين وتقول ما علمك إياه نبي الرحمة، إن العين لتدمع وان القلب ليحزن ولا نقول الا ما يرضي ربنا «إنا لله وإنا اليه راجعون». فقيد الوطن والأدب والكلمة والحرف والخلق الرفيع والمدينتين المقدستين فقيد المحبة والتواضع والذكر العطر والطلة البهية والقلب الرحيم عاصم حمدان علي حمدان، هو الخال والحبيب والقريب إلى قلبي وقلب كل من عرفوه. سيتحدث عنك علية القوم من الأمراء والوزراء والأدباء والمفكرين والمؤرخين وسيتحدث عنك طلاب العلم والمعرفة وتلاميذك وسيكون هناك حديث الشجن من البسطاء والفقراء والمساكين الذين أفسحت لهم في مجلسك فكانوا هم الأقرب لك ومن تطيب روحك بصحبتهم، تواضعت للناس فرفع رب الناس قدرك. كيف أرثيك وأنا بعض منك وكيف أنعيك وعند بابك تضيع الكلمات، بل إن كلماتي هذه فيض من معين علمك ونورك الذي أشرقت منه حياتي عندما تتلمذت في مكتبتك، لم أحظ بصحبتك وأنا طفلة بقرب جسدي ولكن كانت روحك دوما تعطر الزمان والمكان يا سيدا تخجل كلماتي وتتواضع في حضرتك، خرجت من رحاب طيبة الطيبة ومن بيت الشيخ حمدان لتحط رحالك في جوار الحرم المكي في بيت الشيخ عبدالله بصنوي، نعم كنت في مكة وفي بريطانيا تكمل دراستك وأنتظر بلهفة وشوق كبير مقدمك للمدينة وأنتظر يوم الأربعاء لأقتني الملحق الثقافي في جريدة المدينة، وقبله كنت أقتني ملحق التراث وأجمع قصاصات الورق وأحتفظ بمقالاتك وكتاباتك وبخط يدك بعض من قصاصات الورق والأدعية المأثورة والأوراد والذكر الذي كنت تعطر به مجلسك وفي سن مبكرة ولم أكن أعي ولا أفهم كل ذلك الإرث الفكري والأدبي فأهمس لنفسي سيأتي يوم ويكون خالك مرجعًا لك فاتخذيه لك قدوة ومعلمًا فكان عشقي للكتاب وللورق بعضًا من فضلك عليّ حتى يومي هذا. سأتحدث هنا عن عاصم الابن البار لمدينته ولأهله ولذويه فغيري سيكون أكثر مقدرة في التحدث عن المفكر والأديب والمؤرخ والأستاذ والأكاديمي. عاصم حمدان الرمز الوطني الذي فاضت روحه لباريها صائمًا في أعظم الشهور عند الله وفي ليلة من ليالي العشر المباركة التي يرتجي فيها كل منا العتق من النيران، توالت التعازي وكلمات التأبين لرجل عرف عنه أنه كان يؤرخ لذاكرة الإنسان والمكان والزمان وكان يذكر فضل الناس ومكانتهم أحياءً وأمواتًا. عندما بدأت مشوار الكتابة عبر هذا المنبر فرح كثيرًا وهنأني ولم يستغرب هذا الأمر لأنه كان يراقبني من بعيد وأنا أصطفي من مكتبته العامرة أمهات الكتب والدوريات والمجلات الأدبية ونظرات عينيه كانت ومازالت عالقة في ذاكرتي، وخزن في ذاكرتي بعضًا من كلماته العذبة التي لا يتحدث بها سواه فكنت اذا تحدثت يومًا في مجلس أسعد كثيرًا بأن يجعلوني نقطة في بحر علمك وحرفك وكلماتك، كم كنت ومازلت فخورة بك وما أسعدني بصحبة قضيتها معك مؤخرًا في بيتك قبل الحظر بأيام معدودة، ودخلت علينا بطلتك وهيبتك المعهودة وابتسامتك الصادقة وفرحة وبريق في عينيك مهللا ومستبشرًا بمقدم من تذكره بحبيبته وأخته الكبيرة وعبر لي عن ذلك بكلماته البسيطة وقال: كأن أختي -رقية- زارتني اليوم في بيتي، وطابت نفسي بحديث الذكريات ويوم ميلادي الذي شهده وفرح به مع أمي رحمها الله في بيت جدي، وعشت معه فرحة التكريم الذي ناله من جامعة الملك عبدالعزيز ولم تكن تلك المرة الأولى التي يبوح لي فيها بمقدار اعتزازه بهذا التكريم وكان يراه كثيرًا على -العبد الفقير الى الله- كما كان يحب أن يردد وأثنى على الدكتور عبدالله صادق دحلان لدوره في دعم جائزة باسم الدكتور عاصم حمدان في الجامعة لخدمة الأدب والبحث والعلم. ذكرني أخي الغالي –عبدالله- بأبيات شعرية لحسان بن ثابت قالها خالي عاصم بعد وفاة امي رحمهما الله: كنت أنت السواد لناظري.. فعمي عليك الناظر من شاء بعدك فليمت... فعليك كنت أحاذر لن أنسى يارجل القيم والخلق الرفيع والأدب الجم وأنت تقبل يدي والدي ووالدتي بعد وفاة جدتي -رحمها الله- وقلت لأبي اليوم أنت بمثابة الأب لي وما كنت أعطيه لأمي وأبي من قدر ومكانة علية سيكون لك ياسيدي يوسف، فكان من أبي حفظه الله أن يكرم وافدتك ويطلب منك أن تكون مكتبتك وكتبك في رحاب بيتنا وبين أروقة مكتبة خاصة جعلت لعاصم حمدان في بيت المربي والأستاذ يوسف عبدالله حمدان. في يوم تكريمك الذي لن ينساه التاريخ لجامعة المؤسس ولمعالي مديرها الدكتور عبدالرحمن اليوبي والذي وجه مؤخرًا بإعادة طباعة مؤلفات الدكتور عاصم وجمعها في موسوعة كاملة وتوزيعها على المراكز البحثية والثقافية والمكتبات العامة، لن ينسى الناس تلك الكلمات التي أبدع في كتابتها تلميذه ورفيقه والطالب الذي أصبح أستاذًا ذا مكانة مرموقة في الجامعة ومازال في صحبة معلمه انه الدكتور عادل خميس الزهراني له مني كل الاحترام والتقدير وأعلم يقينًا مكانته عند خالي، تلك الكلمات التي ذكرت الأحمدية -ماريا- صاحبة القلب الكبير والأم التي كانت ترى بنور ربها كيف سيكون شأن ابنها عاصم يومًا ما، هو لم يغفل ذكر والده يوم التكريم، لأنه قد نال حظه من المكانة العلية والوجاهة الاجتماعية وذكره مازال عطرًا ومعروفًا بين أهل المدينة وزوارها الشيخ حمدان علم من الأعلام واسمه مرتبط باسم الدكتور عاصم وكلنا نفخر بجد زهد في الدنيا فرزقه الله السمعة الطيبة والقدر الرفيع، لكن تلك الأم لم يعرفها أحد ولم يذكرها أحد فكان حريًا بالبار بأمه في يوم تكريمه أن يفرد لها المقام ويتردد اسمها، كيف لا وقد أوصانا نبي الرحمة بالأم ثلاثًا في حسن الصحبة، خالي عاصم يفكر بطريقة لم يفكر بها سواه في يوم تكريمه فأهداه لروح ماريا الأحمدي. طبت وطابت روحك يانوارة الحرمين ورفعك الله مكانًا عليا في الفردوس الأعلى وجمعك بحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم عند مليك مقتدر وجعل علمك وإرثك الثقافي والفكري وحب المدينتين المقدستين شفيعًا لك وامتدادًا لعطائك بعد موتك لن ينقطع عملك بهذا العلم المبارك، وستبقى خالد الذكر بيننا ومعنا، وتكريمك ستناله يا خال برحمة الله وفضله يوم يأتي الناس الى ربهم بقلب سليم ياصاحب القلب الأطهر والأطيب والأنقى الذي عرفته في حياتي. وسيظل ذكرك عطرًا بيننا وروحك ترفرف حولنا ونعطر مجالسنا بطيب كلماتك يا سيدي وتاج رأسي وملهمي، اللهم تقبل عبدك عاصم عندك قبولا حسنًا وأربط على قلب زوجته وبناته وولده وأهله واخوانه واخواته وأخواله وخالاته ومحبيه وهم كثر واجمعنا به في مستقر رحمتك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.