مضى الآن ما يزيد عن الشهرين ونحن في صراع نفسي مع الجائحة التي تعصف بالعالم (كورونا)، لكن هذه الجائحة من الواضح أنها أعادت تأهيل الإنسان من الداخل لتعيد صناعته بعد ما عجزت الكثير من الوسائل التي يتخذها بنو البشر في تثبيتها، إذ إن أول تلك الدروس تتلخص في عودة اللحمة الأسرية، ضمن دائرة العائلة الأولى المكونة من رب الأسرة والزوجة والأبناء. كانت عجلة الحياة تسير بإيقاعات متواصلة السرعة، لا يستطيع الواحد الفكاك منها ما بين عمل وما بين رفاق أو ربما عمل ثانٍ لمن يحتاج لزيادة الدخل، ولكن البعض وجد نفسه بين رفاقه وأصدقائه أكثر من أسرته، فتحولت علاقاته الأسرية لحالة فندقية (البيت للراحة والنوم والأكل)، وبقية اليوم في الترفيه مع الأصدقاء داخل الاستراحات أو في المقاهي التي أصبحت ظاهرة يومية ما قبل الجائحة، لذا نجد بأن البعض أصبح يعاني من المشاكل في بداية الحجر المنزلي حتى بدأ يعتاد على وجود أطفاله وأبنائه وزوجته في المنزل، مما جعل الكثير من الأزواج يعيدون التفكير في نمط العيش مرة أخرى، وهذا ما نجده ينعكس على وسائل التواصل الاجتماعي والمقاطع التي تصلنا بشكل يومي وعلى مدار اليوم. ومن تلك الدروس أيضاً هو العودة للذات والجلوس معها لبعض الوقت واستخراج المواهب الداخلية، حينما نبتعد عن الضجيج الخارجي نصبح قريبين جداً من محيطنا الداخلي الذي تركز عليه الدراسات النفسية، وكذلك مدربو التطوير البشري، لذا نحن اليوم في دورة لتطوير الذات قد تستمر شهرين أيضاً في العزل المنزلي، لذا علينا إعادة تأهيل أنفسنا مع ذواتنا والاقتراب منها بشكل أكبر. درس آخر -إذ إن دروس الجائحة كثيرة لا تحصى كوننا نلتقي بأنفسنا لأول مرة- وهو وضع برامج خاصة والالتزام بتطبيقها فالوقت طويل، وعلينا تنظيمه لا قضاء الحياة على أجهزة المحمول أو الشاشة الفضية نتنقل من محطة لأخرى لقتل الوقت، لذا علينا أن نستخرج طاقاتنا فيما يعنينا ولا نذهب للانتظار على أبواب المحطات لمنقذ قد لا يصل، بينما المنقذ يعيش بداخلنا.