انتقلت وزارة الصحة السعودية، في إطار حربها ضد فيروس كورونا (كوفيد 19) إلى خطوة مهمة هي بدء مرحلة الفحص النشط التي تعني ببساطة شديدة الانتقال من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل، أي اكتشاف الفيروس في أجساد المصابين به قبل أن تظهر عليهم أعراض المرض. وتكمن أهمية هذا الإجراء الذي ينقل زمام المبادرة من الفيروس إلى الأجهزة الطبية في أنه يقدم الصورة الحقيقية لعدد الإصابات، ويساعد في الوصول إلى الذين يجهلون إصابتهم بالمرض أو يترددون في إجراء الفحوصات أو الإعلان عن إصابتهم، مع ما ينطوي على ذلك الفعل من تبعات في غاية الخطورة أبرزها نقل العدوى للعديد من المخالطين لهم أو الذين يشاركونهم العمل أو السكن، لاسيما في مجمعات العمال التي باتت أكثر البؤر التي تتسبب في انتشار المرض، حسب تأكيد الجهات المختصة. كما أن هذا الإجراء يتضمن أيضاً فوائد هائلة تتمثل في تقليل الخسائر في الأرواح، لأن علاج الفرد المصاب في بداية إصابته بالمرض وقبل ظهور الأعراض ووصول حالته إلى مرحلة متأخرة يكون سهلاً ميسوراً، على عكس الحال عندما يتمكن منه المرض، كذلك فإن علاج مصاب واحد بلا شك أقل تكلفة بكثير من علاج عشرات أو مئات الذين يمكن أن ينقل لهم العدوى. وستظهر الآثار الإيجابية الضخمة لهذا الإجراء الاحترازي الذي بدأته وزارة الصحة في المدن التي تشهد معدلات إصابة مرتفعة بالمرض خلال الفترة المقبلة، حسبما أشارت التجارب المماثلة في العديد من الدول التي كانت تعاني من ارتفاع هائل في أعداد المصابين، فهو يستهدف الأحياء المكتظة بالسكان، والمجمعات السكنية المخصصة للعمالة، في مدن مكةالمكرمة والمدينة المنورة والرياض والدمام وجدة والهفوف، وذلك لتحديد حواضن المرض وعزل المصابين وتشديد الإجراءات الاحترازية للحد من انتقال الفيروس للآخرين، وعلاج المصابين قبل وصول حالتهم لمراحل متأخرة قد تستدعي تنويمهم في المنشآت الصحية وتقديم الرعاية الطبية لهم. إضافة إلى فرض حجر فوري على المخالطين لكل من يثبت إصابته. كما يكتسب الفحص النشط أهمية خاصة من أنه يشمل الدائرة الثانية والثالثة من مخالطي المصابين، وتستخدم فيه أجهزة متقدمة ومتطورة تتضمن تقنيات ذكية لاكتشاف الحالات مثل التقييم الذاتي الإلكتروني. ولا تقتصر الجوانب الإيجابية لإجراء الفحص النشط على مجرد اكتشاف الحالات المصابة مبكراً، بل إن هناك جانباً توعوياً في غاية الأهمية يصاحب تلك الحملات، حيث يتم التركيز على تقديم التوعية من الوباء، وتعزيز الإصحاح البيئي بتحسين مستوى الصحة العامة، وتطبيق الإجراءات الاحترازية المشددة في التعامل مع حالات الاشتباه بالإصابة؛ ومحاصرة دائرة انتقال العدوى منذ المراحل الأولية، ورفع مستوى الجاهزية الوقائية في كافة المدن وأحيائها؛ للحد من انتشار الوباء ومحاصرة مصادره؛ بدعم وتضافر الجهود المشتركة بين مختلف الجهات المختصة. ويستوجب ذلك من جميع المواطنين والمقيمين إبداء أكبر قدر ممكن من التجاوب مع فرق المسح، والاستجابة لكل مطلوباتها، فالوضع الذي يعيشه العالم اليوم لا يحتمل الإصرار على الآراء الشخصية والتمسك بالتفسيرات الفردية، بل ينبغي علينا جميعاً الإذعان للتوجيهات وتنفيذها بدون أدنى معارضة. ربما يبدي البعض انزعاجهم من ارتفاع أرقام المصابين في المؤتمر الصحفي اليومي لوزارة الصحة، لكن ذلك الارتفاع يقدم للمختصين مؤشراً حقيقياً على صواب الإجراءات التي تتخذها الوزارة لمحاصرة الفيروس، ونجاحها في اكتشاف الحالات المصابة، وقدرتها على الوصول لمن هم في حاجة للرعاية الصحية، والتزامها بموجهات واشتراطات المؤسسات الدولية المعنية بمحاصرة الفيروس، مثل منظمة الصحة العالمية، وانفتاحها على تجارب العديد من الدول التي حققت نجاحاً في تصحيح أوضاعها، إضافة إلى التمسك بنهج الصراحة والشفافية والوضوح الذي اتبعته المملكة منذ ظهور الجائحة، كما أن الانتقال إلى مرحلة الهجوم على المرض عبر محاصرة نواقله أفضل بدون شك من البقاء في موقف المدافع والاكتفاء بتقديم العلاج للمصابين، وهو ما يتوافق تماماً مع القاعدة الصحية الذهبية «الوقاية خير من العلاج». ولا شك أن الوصول إلى النتائج المرضية يتطلب تقديم الكثير من التضحيات، وبذل جهود مضاعفة، وسكب العرق في ميادين البذل والعطاء، حتى نعيد السكينة لهذا الوطن الذي أنعم الله عليه بالأمن والأمان.