شهر رمضان المبارك من أعظم الشهور، فهو شهر الخيرات وتنزّل الرحمات؛ يُكثر فيه الجميع من الطاعات ويبتعدون عن المحرمات، وهو شهر كبح جماح النفس وتربيتها. وللحديث عن علاقة الصوم بالصحة النفسية نبدأ بتعريف الصحة النفسية، ولها عدة تعريفات منها: التوافق النسبي مع الذات والمجتمع توافقاً يؤدي إلى الشعور بالأمن والاطمئنان النفسي والقدرة على مواجهة الأزمات النفسية بأساليب توافقية سليمة ومباشرة وصولاً إلى الاستمتاع بالحياة. ومما يميز شهر رمضان عن بقية الشهور هو الجو الإيماني، والمشاركة الوجدانية، فالكل يساعد ويعطف على الآخر، حب الناس بعضهم بعضًا، والجميع يصوم ويفطر في نفس الوقت، وهذه المشاركة الوجدانية لها أثرها الإيجابي خاصة مع مرضى الاكتئاب الذين يعانون من العزلة الاجتماعية؛ مما يجعلهم يخرجون من عزلتهم ويفكرون بشكل إيجابي حول ذواتهم. كذلك فإن الصائم يشعر بالطمأنينة والراحة النفسية، ويحاول الابتعاد عما يعكر صفو صيامه من المحرمات والمنغّصات، ويحافظ على ضوابط السلوك الجيدة مما ينعكس إيجاباً على صحته النفسية (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب). وبالصيام تسمو المشاعر الإيمانية طمعًا في الأجر والثواب، وهذا يُعدّ مُعززاً إيجابيًا للتخلص من المشاعر السلبية المسببة للمرض النفسي، وهناك علاقة طردية بين الإيمان بالله والصحة النفسية، فكلما اقتربت من الله ابتعدت عن الوساوس والاضطرابات. قال صلى الله عليه وسلم: "الصيام جنة، فإذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم" (رواه البخاري).. ومن فوائد الصيام النفسية أيضاً تنمية قدرة الإنسان على الصبر والتحكم في ذاته، بأن يُخضع الملذات لسيطرة إرادته. وللصيام أثر في معالجة الاكتئاب الذي من أعراضه العزلة والتفكير في الانتحار، وقد نشر موقع زهرة الخليج في 3 مارس 2013 دراسة يابانية أُجريت على 380 مريضًا يعانون أمراضًا نفسية مثل الاكتئاب والانهيار العصبي، وطُبّق عليهم نظام الصوم لمدة 110 أيام وقد نجحوا من التخلص من هذه الأعراض بنسبة 87%. تقبل الله منا ومنكم الصيام وصالح الأعمال. * أخصائي نفسي