لطالما شدّتْني الآيتان أرقام 71 و73 في سورة الزُمَر في القرآن الكريم، وآيات القرآن الكريم كُلُّها تشدُّ قارئَها ومُستمِعَها بنفس القدر والاستحقاق، وكيف لا وهي كلام الله؟ الحكيم الحميد، الكلام الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. دعوني في البداية أذكّركم بنصّ الآيتين الكريمتين: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (71). (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِين) (73). والآيتان تُشيران إلى سياقة الكُفّار إلى النار، وسياقة المُتَّقِين إلى الجنّة، نجّاني الله وإيّاكم من النار، وجعلنا من أهل الجنّة، وإلى فتْح أبواب كُلٍّ منهما، وتقريع الملائكة للكُفّار قبل دخولهم للنار، وترحيبهم للمُتَّقِين قبل دخولهم إلى الجنّة. لكن لاحظوا أنّ العبارة القرآنية لسياقة الكُفّار للنار هي بدون ذِكْر حرف الواو بين مجيئهم إليها وفتْح أبوابها (حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)، عكس حال عبارة سياقة المُتَّقِين إلى الجنّة وفتْح أبوابها، إذ ذُكِرَ الحرف جليّاً (حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)، فما قصّة هذا الحرف؟ الله أعلم، لكنّ الله لم يضع حرفاً واحداً في موضعٍ من القُرآن الكريم إلّا وله دلالة يعلمها من يعلمها بتدبّر القرآن الكريم وتوفيق الله له، ويجهلها من يجهلها لحكمة من الله، وكتب التفسير لا تذكر أحداثاً كثيرة تقع بين مجيء الكُفّار للنار وفتْح أبوابها لهم، بل هو تقريع مؤلم لهم ودخول سريع لها، فلا إمهال ولا انتظار، والعقاب سريع من الله سريع العقاب، بينما تذكر أحداثاً كثيرة تقع بين مجيء المُتّقين إلى الجنّة وفتْح أبوابها لهم، مثل مشاورة المُتَّقِين لبعضهم البعض عمّن يستأذن لهم في دخول الجنّة، فيقصدون آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، ثمّ يظهر شرف نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليكون هو أول من يقرع أبواب الجنّة استئذاناً للدخول، بتشويق لا متناهٍ يُلازمهم قبل دخولهم إلى الجنّة، وكلّهم قد آمنوا بها في الدنيا، وحان زمانُ دخولها في الحياة الأخروية الأبدية، ورؤيتهم ما لا عينٌ رأت، وسماعهم ما لا أذنٌ سمعت، وإدراكهم الفعلي لما لا يخطر على قلب بشر، وسبحان الله الذي عبّر بحرف «و» واحد عن زمنٍ لا يعلمه إلّا هو، ويُوضّح كيف يشقى أو يسعد الناس للأبد، فما بالكم بكلمات الله التي لا تنفد وآياته البيّنات؟!.