من حقّ المُعلِّمِ أن يطالِب بتمييزه مهنياً، فمهنته من أعظم المهن التي عرفتها البشرية منذ بدء الخليقة، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "وقِّرُوا من تتعلّمون منه"!. والمُعلِّم أفضل من الأب مع الابن، وممّا يُحكى عن الإسكندر المقدوني، أو ذي القرنيْن كما يزعم بعضُ المؤرِّخين، أنّه سُئِلَ عن سبب تبجيله لمُعلِّمه أكثر من أبيه، فقال أنّ الأب هو سبب حياة الابن الفانية، بينما المُعلِّم هو سبب حياة الابن الباقية!. ولا أنسى أشهر بيت شعر قيل عن المُعلِّم، وهو: قُمْ للمُعلِّم وَفِّه التبجيلا.. كاد المُعلِّم أن يكون رسولا!. لكنّ المُعلِّم في هذا الزمن يفتقد للصبر والحلم والأناة التي كان يتمتّع بها في السابق من الزمان، لا أقول في قديم الزمان بل حتّى قبل عقود، وهناك من القصص ما لا يُصدّق عن حرص المُعلِّم على تعليم تلاميذه رغم الصعوبات التي يُلاقيها، وتحمِّله المشاق في سبيل تعليم تلميذه ولو على حساب صحّته وشخصيته واحترامه كمُعلِّم مُبجّل!. يحكى أن رجلاً مرّ ببعض الدُور فرأى مُعلِّماً يصدر أصواتاً كزقزقة العصافير خلف جدار يستره عن الدار، فإذا صبيّ صغير قد خرج من الدار، فقبض عليه المُعلِّم وهو يُطمئنه ويُداعبه، فسأله الراوي عن ذلك، فقال إنّ الصبيّ يبغض التعليم، ودخل إلى داره ولم يخرج حتّى بعدما أمره والداه، فوكّل أبوه المُعلّم للتصرّف معه، وكان للصبيّ عصفور يُحبّه كثيراً، فاضطرّ المُعلِّم لتقليد صوته، وظنّ الصبيّ أنّه عصفوره فخرج من الدار ليُمسكه المُعلِّم ويصطحبه لتلقّى العلم!. وأنا بالطبع لا أطلب من مُعلِّم زماننا أن يُقلّد زقزقة العصافير، ولا حتّى أناشيد الأطفال التي يُحبّونها، لكن أطلب منه ألّا يخوض مجال التعليم إن لم يكن يعشقه، فإنّ خاضه فليخضه كعقيدة وليس كمهنة يقبض منها الراتب الفُلاني، ويطمع في زيادته وفي المكافآت، وأن يتحلّى كما أسلفت بالصبر والحلم والأناة في سبيل التعليم، وأن يحرص على الابتكار العلمي في التعليم، وتحبيب تلميذه في العلم وطلبه، وفي التفكير لا في التلقين، وفي الاختراع لا في التقليد، وفي اكتشاف مواهب تلميذه لا المساهمة في دفنها، وفي اتباع الأخلاق الحميدة وليس "مالي شغل، أنا أُعلِّم ولا أُربِّي"، لأنّ التربية مُقدّمة على التعليم، وهما مثل الماء والهواء لكلّ إنسان!. والمُعلِّم السعودي ينتظر الآن إنهاء تعليق الدراسة بسبب فيروس كورونا، فليتأمّل خلال فترة التعليق، وليس مطلوباً منه سوى الإبداع في أجَلِّ المهن!.