* توقفت مليّاً عند التحذير الذي أطلقه معالي الأستاذ محمد بن عبد الله الشريف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد سابقاً (هيئة الرقابة ومكافحة الفساد حالياً) في مقاله المنشور مؤخراً في صحيفة الرياض والذي نقل فيه مضامين التقرير المسمَّى (مؤشر مدركات الفساد) الصادر عن منظمة الشفافية العالمية في يناير الماضي. * لقد كان التقرير بمثابة جرس إنذار لأوضاع العديد من الدول ومنها دول عربية عدة، حيث يصنف مستويات 180 دولة من حيث مستوى النزاهة والفساد. وإذا كانت بلادنا -بحسب التقرير- قد تقدمت 4 درجات في معدل النزاهة عن العام الماضي بنسبة 53% متقدمة 7 مراكز بين الدول لتكون الثالثة عربياً، فإن دولاً كالعراق والسودان واليمن وسوريا والصومال جاءت في ذيل الترتيب العربي والعالمي، ولعل إخطبوط الفساد قد امتدت أذرعه فيها بسبب الحروب والثورات والنزاعات، كما امتدت أذرعه في لبنان بسبب الحزبية والفئوية الفاسدة. * ويبدو أن استمرار التقهقر في معدلات الشفافية في العالم سيفضي- حسب تحذير الشريف- الى مزيد من البؤس والفقر. من هنا جاءت دعوة معاليه إلى ضرورة تكاتف جهود المنظمات الدولية لإجبار الدول التي يقل فيها معدل النزاهة عن 50% في مؤشر الشفافية على اتخاذ اجراءات أكثر صرامة لمحاربة الفساد. * ذلكم الطرح المنهجي سبق أن وضع معاليه لَبَنَاته الأولى في كتابه الأنيق (النزاهة في مواجهة الفساد) الذي صدر عام 2016م.. والذي دوَّنَ فيه عبارته المشهورة:» ليس هناك دولة خالية من الفساد، ولكن تختلف درجة سطوته بين دولة وأخرى».. لقد وثق معاليه في كتابه جهود المملكة في مكافحة الفساد الاداري والمالي سارداً ذلك بموضوعية كشاهد عيان قُدِّر له أن يكون المسؤول الأول عن تلك الجهود إبان رئاسته لنزاهة.. وقد قسَّم كتابه الى 11 فصلاً، وكان مما لفت نظري ما حواه الفصل الثامن الذي استعرض فيه المؤلف أبرز مظاهر الفساد التي ظهرت في المملكة في سنوات خلت.. معرِّفاً وفق رؤية قانونية ببعض المنظمات وعلاقتها بنزاهة كمنظمة الشفافية الدولية (برلين) ومؤشر مدركات الفساد التابع لها، والأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد (النمسا). وقد اختتم المؤلف إبحاره الموضوعي بإبراز المعوقات التي واجهت الهيئة ومقترحات تطويرها.. * إن ما تم تقديمه في هذا السِّفر وغيره إنما يكشف عن تصميم الدولة على اجتياح كل معاقل الفساد واجتثاثه من جذوره من أجل المضي في مسيرة الإصلاح والتنمية وتشييد صروح التقدم والازدهار وبناء منظومة الشفافية والعدالة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للوطن كله، مسترشدين بقوله تعالى: «ولا تعثوا في الأرض مفسدين».