واصلت قوات النظام السوري اليوم الثلاثاء تقدمها في شمال غرب البلاد، بالتزامن مع موجة نزوح ضخمة تنذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة بعد فرار قرابة 900 ألف شخص من المنطقة بسبب التصعيد ووسط موجة برد قارس. وحذرت الأممالمتحدة ومنظمات إنسانية عدّة من تداعيات الوضع الكارثي، خصوصاً على الأطفال في منطقة تؤوي أساساً 3 ملايين شخص نحو نصفهم من النازحين. وقالت رئيسة المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ميشيل باشليه الثلاثاء "لم يعد هناك وجود لملاذ آمن. ومع تواصل هجوم (القوات) الحكومية والزجّ بالناس باتّجاه جيوب أصغر وأصغر، أخشى أن مزيداً من الناس سيقتلون". في ديسمبر، بدأت قوات النظام بدعم روسي هجوماً واسعاً في مناطق في إدلب وجوارها تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل أخرى معارضة أقل نفوذاً. وتركزت العمليات بداية على ريف إدلب الجنوبي ثم على ريف حلب الغربي المجاور. ودفع التصعيد منذ ذلك الحين بنحو 900 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، للفرار، وفق ما أعلنت الأممالمتحدة الإثنين. وتُعد موجة النزوح هذه الأكبر منذ بدء النزاع في مارس العام 2011. وقال المتحدث باسم مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ديفيد سوانسون لوكالة فرانس برس "فرّ حوالى 43 ألف شخص خلال الأيام الأربعة الأخيرة فقط من غرب حلب". وتزداد معاناة النازحين مع انخفاض حاد في درجات الحرارة. ولجأ الجزء الأكبر منهم إلى مناطق مكتظة أساساً بالمخيمات قرب الحدود التركية في شمال إدلب، لم يجد كثر خيما تؤويهم أو حتى منازل للإيجار، واضطروا إلى البقاء في العراء أو في سياراتهم أو في أبنية مهجورة قيد الإنشاء وفي مدارس وحتى جوامع. وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك الإثنين "المخيمات تضيق بهم. الأمهات يشعلن البلاستيك لتدفئة اولادهن ويموت رضع وأطفال من شدة البرد". وأشار إلى أن العنف في شمال غرب سوريا لا يفرق "بين منشأت صحية أو سكنية أو مدارس وجوامع وأسواق"، مشدداً على أنه "لا يمكن تفادي أكبر قصة رعب إنسانية في القرن الحادي والعشرين سوى في حال تغلب أعضاء مجلس الأمن الدولي، وأصحاب النفوذ، على مصالحهم الشخصية" وجعلوا من الوضع الإنساني أولوية لهم. وأضاف أن الحل الوحيد هو وقف لإطلاق النار. خطر على الأطفال وأعلنت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء أنه من أصل 550 منشأة صحية في شمال غرب سوريا، لا يزال نحو النصف فقط في الخدمة. وقد طاول القصف عشرات من المنشأت الصحية خلال الأسابيع الماضية. وحذر مدير المنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس أن "الأطفال هم الأكثر عرضة لانخفاض في درجات الحرارة أو مشكلات في التنفس بسبب عدم توافر الملجأ واضطرار كثيرين للنوم في العراء". وتوفي سبعة أطفال، بينهم طفل رضيع لم يتجاوز عمره سبعة أشهر، جراء درجات الحرارة المتدنية والأوضاع الإنسانية "المروعة" في المخيمات، وفق ما أفادت منظمة "سايف ذي شيلدرن" الثلاثاء. وقال سونيا كوش من المنظمة "نخشى أن ترتفع الحصيلة نتيجة الأوضاع غير الإنسانية تماماً التي يجد النساء والأطفال أنفسهم فيها، وسط درجات حرارة تحت الصفر، ومن دون سقف فوق رؤوسهم أو ثياب" شتوية تدفئهم. وأفادت منظمة الأممالمتحدة للطفولة "يونيسف" أن التصعيد أسفر عن "تشرّد ما يزيد على 500 ألف طفل". ونقلت المنظمة في بيان عن نازحة عرفت عنها باسم نادية قولها "لديّ طفل مريض جدّا إن مات طفلي، فكل ما يمكنني أن أفعله من أجله هو دفنه ". وأسفر الهجوم منذ ديسمبر عن مقتل أكثر من 400 مدني، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان الذي أشار إلى مقتل مدنيين الثلاثاء جراء قصف صاروخي وجوي غرب حلب وشمال إدلب. نحو جبل استراتيجي وخلال أسابيع، سيطرت قوات النظام على مناطق واسعة جنوب إدلب وغرب حلب، وتمكنت من تحقيق هدف طال إنتظاره بسيطرتها على كامل الطريق الدولي "إم 5" الذي يصل مدينة حلب بدمشق. وقبل يومين، حققت قوات النظام هدفاً آخر باستعادتها كافة المناطق المحيطة بمدينة حلب، ثاني أبرز المدن السورية وتمكنت بذلك من إبعاد هيئة تحرير الشام والفصائل عنها لضمان أمنها من القذائف التي طالما استهدفتها. إلا أن هذا التقدم لا يعني انتهاء العمليات العسكرية بالنسبة لدمشق، إذ قال الرئيس السوري بشار الأسد الإثنين إن "معركة تحرير ريف حلب وإدلب مستمرة بغض النظر عن بعض الفقاعات الصوتية الفارغة الآتية من الشمال" في إشارة إلى التحذيرات التركية لقوات النظام بوقف تقدمها. وتركز قوات النظام عملياتها حالياً في ريف حلب الغربي، الذي تستهدفه غارات عنيفة تشنها الطائرات الحربية الروسية، وفق ما أورد المرصد. وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن أن قوات النظام "تتقدم باتجاه جبل الشيخ بركات" الذي يطل على ما تبقى من مناطق تحت سيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل في غرب حلب، كما على مناطق واسعة قرب الحدود التركية في شمال إدلب تنتشر فيها مخيمات النازحين. وتزامن هجوم قوات النظام خلال الأسبوعين الماضيين مع تصعيد بين أنقرة ودمشق تخللته مواجهات أوقعت قتلى بين الطرفين. ووجهت أنقرة إنذارات عدة لدمشق، وهددت بضرب قواتها "في كل مكان" في حال كررت اعتداءاتها على القوات التركية المنتشرة في إدلب. وفي انقرة، صرح المتحدث باسم الرئيس التركي ان المفاوضات بين انقرة وموسكو حول العنف المتصاعد في شمال غرب سوريا "لم تتوصل الى نتيجة مرضية"، لكنه أضاف ان المحادثات مستمرة.