حذّر الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير بشدة من محاولات اليمين المتطرف استغلال قصف الحلفاء لمدينة دريسدن، والذي أحيت ألمانيا اليوم الخميس ذكراه الخامسة والسبعين، منددا بمن اعتبر أنهم "يتلاعبون بالتاريخ سعيا لتوظيفه". وفي مناخ سياسي تطغى عليه ادعاءات حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف أن عدد ضحايا القصف كان أكبر مما أعلن، دعا الرئيس الألماني مواطنيه "إلى الاعتراض بصوت عال وبشكل حاسم، بوصفهم ديموقراطيين، على من ما زالوا يقارنون حتى اليوم بين قتلى دريسدن وقتلى أوشفيتز، والذين يتعمدون تزييف الوقائع التاريخية". وعقب خطابه، شارك شتاينماير في سلسلة بشرية إحياء لذكرى 25 ألف ضحية سقطوا، خصوصا في غارات الطيران البريطاني. وأدى القصف الجوي إلى تدمير قسم كبير من المدينة الواقعة في شرق المانيا بين 13 و15 فبراير 1945. لكن هذه الذكرى تشكل كل عام فرصة للنازيين الجدد لتنظيم "مسيرة"، متكئين على أسطورة "مدينة شهيدة" قضى عليها الحلفاء بدون مبرر.. وذكّر الرئيس أن "الألمان هم من أطلقوا تلك الحرب الرهيبة" والنازيون هم من "نظموا إبادة جماعية ليهود أوربا".. وتقام مسيرة النازيين الجدد والتظاهرات المضادة لها السبت وسط انتشار كثيف للشرطة. تلال من الجثث من جهته، أقام حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف منصة إعلامية في ساحة المدينة المركزية، على وقع صعوده المتنامي في شرق ألمانيا محققًا أفضل نتائج له في مقاطعة ساكس، التي عاصمتها دريسدن.. والهدف من هذه المبادرة المطالبة بتكريم "يليق بضحايا (القصف) ممن تم إحصاؤهم ولم يتم إحصاؤهم".. ويشكك الحزب في إشارة المؤرخين إلى سقوط 25 ألف قتيل في دريسدن. ويقول رئيسه المشارك تينو شروبالا إن الحصيلة "تناهز مئة ألف قتيل"، موضحا لأسبوعية دير شبيغل أنه يستند في ذلك إلى ما روته جدته ووالده و"شهود آخرون" أكدوا له أن "تلالا من الجثث" ملأت شوارع المدينة في فبراير 1945. وساد جدل لعقود حول العدد الفعلي لضحايا القصف.. لكن لجنة من المؤرخين خلصت العام 2010، بعد ستة أعوام من الأبحاث، إلى أن 25 ألف شخص قضوا جراء 650 ألف قنبلة حارقة ألقاها الأمريكيون والبريطانيون، ما يعني أن "حصة" دريسدن كانت أقل من "حصتي" هامبورغ وكولونيا اللتين تعرضتا لتدمير شبه كامل. كذلك، طالب شروبالا بإقامة نصب في دريسدن "يحيي ذكرى الضحايا". المدينة البريئة وكتبت صحيفة ساشسيشي تسايتونغ المحلية أن "أسطورة المدينة البريئة مستمرة"، متهمة اليمين المتطرف باستغلال هذه المناسبة "للتقليل من حجم جرائم الحرب الألمانية".. وتحل هذه المناسبة على خلفية "الانقلاب السياسي"، الذي حققه البديل لألمانيا في مقاطعة تورينغن المجاورة، والذي دفع انيغريت كرامب كاريباور، الخليفة المحتملة لانغيلا ميركل لدى المحافظين، إلى الاستقالة من رئاسة حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي. فقد انتخب مرشح الحزب الليبرالي توماس كيميريتش قبل أسبوع حاكما للمقاطعة بدعم حزب ميركل والبديل لألمانيا، ما شكل سابقة في ألمانيا ما بعد الحرب الثانية وكسر "محظورا سياسيا" يقضي بعدم التعاون مع اليمين المتطرف. وفي إشارة غير مباشرة، دان الرئيس الألماني في خطابه من يحاولون "تدمير الديموقراطية من الداخل". ورغم استقالة كيميريتش، فإن ارتدادات هذه الفضيحة السياسية لن تخبو بسهولة، وخصوصًا أن من يقف وراءها هو الجناح الأكثر تشددا في حزب البديل لألمانيا الذي يسعى إلى تقويض الأسس السياسية، التي بنيت عليها البلاد بعد المجازر النازية. وفي هذا السياق، اعتبر رئيس كتلة الحزب بيورن هوكي أن النصب التكريمي في برلين لليهود الأوربيين، الذين قضوا بأيدي النازيين هو نصب "العار". ونبه رئيس بلدية دريسدن ديرك هيلبرت المنتمي إلى الحزب الديموقراطي الحر إلى أن "اليقظة القومية واليمين الشعبوي يعرضان الثقافة الديموقراطية لمزيد من الخطر". في المقابل، لا يأبه بعض الناجين من مأساة دريسدن بهذه المعركة السياسية وما تثيره من صخب، ونقلت دير شبيغل عن أورسولا ايلسنر (89 عامًا)، التي لا تزال تقيم في المدينة قولها "هذا اليوم لنا".