قد يكون العنوان مفزعاً بعض الشيء، فعلوم الذرّة ارتبطت لدينا بالتدمير والحظر الدولي، وهذه صورة غير صحيحة بالطبع.. عموماً مصطلح (العادات الذرية) مصطلح أطلقه الأمريكي (جيمس كلير) في كتابه الشهير الذي يحمل نفس الاسم، ويعني (كلير) بالعادات الذرية تلك العادات الصغيرة؛ بل متناهية الصغر، التي تُشكِّل جزءًا من نظام أكبر هو (السلوك)، مثلما تُشكِّل الذرات اللبنات الأساسية للأجسام!. وتقوم فكرة الكتاب على فلسفة التغيير السلوكي الكبير من خلال تراكم المكاسب الصغيرة، فلو أجريتَ تحسينات بسيطة في كل شيء تفعله، ولو بمقدار 1% فقط، فستحصل على تحسُّن كبير بعد فترة.. لأن السلوك الإنساني عبارة عن تراكم من العادات التي تُشكِّل هويتك. العادة هي أي فعل أو سلوك تفعله بشكلٍ متكرر، سواء كان التكرار زمنياً (يوميًا أو أسبوعيًا)، أو كان سلوكاً متكرراً كردّة فعل لموقف ما.. ولو تأمَّلت أنشطتك اليومية، لوجدتَ أن نسبة كبيرة منها عبارة عن عادات مكرورة أصبحت تُشكِّل الإطار العام لحياتك. وفي علم تشكيل العادات، وتغيير السلوك، تعتبر العادات الذرية مصدر قوة هائلة للتغيير الإيجابي، فالنجاحات الكبيرة هي نتاج لعاداتنا اليومية الصغيرة، وليس للتحوُّلات (الدراماتيكية) التي تحدث مرة واحدة في العمر.. ولهذا يفشل كثيرون في التغيير، ليس بسبب صعوبة التغيير، بل لأنهم يقومون بالتركيز على تغيير مفاجئ. وضعك الحالي، وزنك، موقفك المالي، مستوى ثقافتك وتفكيرك، هو نتيجة عاداتك، فإن كنتَ ممَّن يتصوَّر أنه في يومٍ من الأيام سيملك الإرادة لعمل انقلاب في حياته في وقتٍ قصير، فاعلم أنك واهم؛ وانك تُخادع نفسك كي تهرب من مسؤولية التغيير في الوقت الحالي. لأنك كما يقول كلير: «لا تصعد بعملك وجهدك إلى مستوى أهدافك وطموحاتك، بل تهبط به إلى مستوى عاداتك»، لذا إن رغبت في إجراء تغيير كبير في حياتك، فلا تضع أهدافاً كبرى، طالما أن عاداتك لا تساعدك على تحقيقها؛ لأنك ستنسحب بمجرد انتهاء فترة الحماس الأولى.. بل ارفع مستوى عاداتك، بأن تكتسب وتُطوِّر عادات إيجابية، وتتخلَّص من عاداتك السلبية. عندها ستجد أن عاداتك تسير بك تلقائيًا نحو تحقيق النتائج الكبرى التي تسعى إليها. يطرح كلير أربعة شروط لتسهيل اكتساب العادات الذرية الإيجابية، فأي عادة تود اكتسابها حاول أن تجعلها (ظاهرة، وجذّابة، وسهلة، ومُرضِية)، ويمكنك فعل ذلك من خلال عدة قوانين: منها «تراكب العادات الذرية»، والذي يعني أن تربط العادة الجديدة التي تود اكتسابها بعملٍ آخر مترسِّخ عندك بالفعل.. فإذا كنتَ ترغب في ممارسة تمارين رياضية بانتظام، فاربطها مع أوقات الصلاة مثلًا.. أما إن رغبتَ في التخلص من عادة سلبية، فاعكس القانون، بأن تجعل العادة خفية عن حواسك قدر الإمكان، فإذا كنتَ ترغب في التخلص من عادة تصفُّح «السوشيال ميديا» مثلاً، فلا تضع التطبيقات الخاصة بها على شاشة الهاتف الرئيسة، ويُفضَّل أيضًا إلغاء الإشعارات الخاصة بالتطبيقات التي ترغب في تقليل استخدامها. اعمل على إجراء تحسينات صغيرة في حياتك كل يوم، فمع مرور الوقت ستؤدي تلك التحسينات الصغيرة إلى حدوث تغيير هائل في شخصيِّتك.. قد تبدو نتائج التحسينات الصغيرة ضئيلة، ولكن أثر تلك التغييرات الذرية يصبح هائلا إذا التزمتَ بها.