لا يكاد يخلو مجلس من مجالسنا ولقاءاتنا الاجتماعية دون انتقاد لبعض السلوك، سلوكيات السير والمرور، الاصطفاف في الطابور، سلوكيات المتنزهين في الحدائق والكورنيش، وضع الأحذية عند أبواب المساجد في أوقات الصلاة، طريقة الوقوف بالسيارات عند المساجد والمطاعم والمحلات، وما يتسبب به البعض من عرقلة سير الآخرين أو الإغلاق على سياراتهم، وغيرها من السلوكيات اليومية. ننتقدها بحماسٍ ورفض واستنكار، وهي جديرة بذلك، ولكن السؤال: أليس نحن من نُشكِّل في مجموعنا هذا المجتمع الذي ننتقد سلوكه؟! أليس نحن مَن صنعه إما بالفعل أو بعدم التفاعل الإيجابي معه؟! بل حتى أننا شجعنا الآخرين على السلوكيات التي ننتقدها؟. لماذا عندما نسافر للخارج نكون ملتزمين بالنظام ومنضبطين به، كما الجميع ملتزم به باختلاف جنسياتهم وثقافاتهم، ذلك يُؤكِّد أن هناك خللاَ في احترامنا للأنظمة والقوانين والذوق العام.. وحسن أن هناك نظام للذوق العام، ولكن ينبغي أيضاً أن نتحرَّك إلى خانة الفعل بسلوكنا وتأثيرنا الإيجابي في أبنائنا ومحيطنا الاجتماعي. حتى المعاناة فيها قيمة وإحساس إنساني.. هي تجربة يعيشها الإنسان، يتفاعل معها ويتعلَّم من خلالها الكثير من الجوانب التي تُعينه على أن يحيا ويُواجه ويجتاز، تُعلِّمه الصبر والتفكير والتحليل والتفاعل والاعتماد على النفس ومحاور الثقة التي يمكن أن يستند إليها، كصديق أو قريب أو شخص يُشاوره ويُسانده ويقف إلى جانبه للتغلَّب عليها وتجاوز رحلتها. وبرغم ما في المعاناة أحياناً من مرارةٍ وصعوبة وأثر نفسي، لكن فيها قيمة كبيرة عندما تتوّج بلذة الانتصار عليها وتجاوز محنتها، وفيها استكشاف لمواطن القوة ونقاط الضعف عند صاحبها، ومن خلالها يتعرَّف على معدن المحيطين والمُقرَّبين منه، وإعادة تصنيفهم وفرزهم، ويُعزِّز ثقته في نفسه وقدراته وعلاقاته. ليس كل ما يعلمه أو يعرفه الإنسان يعمل بمقتضاه!! جميعنا يقول إن «الدنيا ما تسوى شيء».. ولكننا نتخاصم ونتشاحن ونتباغض ونتحاكم من أجلها. لا أحد يجهل المخالفات المرورية، ومع ذلك لا تتوقَّف، تُمارَس كل يوم سواءً ما ترصدها كاميرات الرصد، أو بعيداً عنها. الكل يعرف أن التدخين ضار بالصحة وجالب لأعتى الأمراض.. ويُصر المدخنون على كيفهم. والجميع يعلم أن عاداتنا الغذائية غير صحية، ومع ذلك نمارسها باستمرار. قائمة المعلوم بالمعرفة والمخالفات بالممارسة طويلة جداً في حياتنا اليومية، رغم ذلك نمضي عكس ما هو معروف ومعلوم، وكأن الأمر لا يعنينا. ماذا يعني هذا.. عناد.. تكبُّر.. صلف.. عداوة للنفس؟!.