اخترت هذا العنوان «النّبأ العظيم» مدخلاً لتقديم لمحة في كتاب «بطاقات التعريف بسور المصحف الشّريف»، جمع وترتيب الدكتور محمد بن عبدالعزيز عمر نصيف، وقامت بطباعته جمعية تحفيظ القرآن الكريم بجدة (خيركم)، التي يتولى رئاستها الشيخ عبدالعزيز حنفي، المعروف باهتمامه بكل ما يتصل بكتاب الله الحكيم. لقد تعدّدت الأسفار والكتب عن القرآن العظيم، متناولة العديد من الموضوعات المختلفة، مثل: تفسير القرآن الكريم، وأسباب النزول، والإعجاز، وغيرها من الموضوعات التي سوّد بها الكُتَّاب والعلماء صفحات كتبهم. وفي العصر الحديث أخرج العالم الأزهري المعروف الدكتور محمد عبدالله دراز كتابه الذي يحمل عنوان «النّبأ العظيم»، وأستعيد بعض أوجه تحليلاته العلمية؛ لأن الكتاب في الأصل أطروحة علمية قام بها الباحث دراز لجامعة السوربون الفرنسية، حيث خاطب دراز المجتمع الغربي بما يفهمه من حجج العقل والمنطق، عارضًا لقضية التشكيك في نسبة القرآن الكريم إلى الوحي المنزل، وادعاء أنه مختلق من قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقابل دراز هذه الفرضية القلقة بحجة دامغة وقوية، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم لو كان من عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، لما اشتمل على آيات معاتبة للجانب المحمدي من قبل الله عزّ وجلّ، والتي تدخل في ما يسمى ب»مقام الأولى المتلائم مع منزلة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وصفاته الكاملة، التي وصفتها الآية الكريمة وصفًا تتقاصر دونه كل الأوصاف، حيث يقول عنه الحق عزّ وجل «وإنك لعلى خلق عظيم»، فكانت المعاتبة له في بعض الآيات من هذا المقام الذي أشرنا إليه، وقد قدم الباحث دراز شواهده في مقام المعاتبة هذا بالعديد من الآيات والسور، ومنها سورة «عبس». وكذلك نجد عند الباحث الغربي المعروف محمّد أسد، والذي نشأ في أسرة تدين باليهودية، ثم أسلم عندما كان في زيارة لمدينة القدس القديمة، وذلك عندما سمع مقرئًا يتلو هذه الآية «ألهاكم التكاثر»، حيث رأى انطباقها على سلوكيات البشر وانشغالهم بالأمور الدنيوية، وكتب كتابه الشهير «الطريق إلى مكة»، والذي عرف أيضًا بعنوان «الطريق إلى الإسلام»، حيث يقول في هذا المنحى الإعجازي ما نصه في ص 140: «إن الإسلام لم يبدُ لي دينًا بالمعنى الشائع للكلمة، بمقدار ما بدا طريقة في الحياة، ولا نظامًا لاهوتيًا، بمقدار ما تبينته منهاجًا للسلوك الشخصي والاجتماعي قائمًا على ذكر الله». أعود إلى كتاب «بطاقات التعريف بسور المصحف الشّريف»، الذي نحن بصدد الإشارة إليه وتقديم بعض الإضاءات لما احتواه، فقد جاء الكتاب في طبعة أنيقة من 400 صفحة من القطع الكبير، واشتمل على مقدمة حضَّت على ضرورة الاهتمام بالقرآن الكريم، وتوثيق الصلة به، والالتزام بما جاء فيه من أحكام وفضائل، كما يشير المؤلف الدكتور محمّد نصيف في مقدمته أيضًا، إلى أنه اكتفى في هذا الكتاب بتسعة مداخل ثابتة لكل سورة من سور القرآن، تتمثل في: العهد الذي نزلت فيه السورة، وأسماء السورة، وفضائل السورة، وموقع السورة في المصحف ومناسبتها لما قبلها، وترتيب نزول السورة، وأسباب نزول السورة، ومطلع السورة، وموضوع السورة، ومقاطع السورة، مقدمًا على إثر ذلك تعريفًا بهذه المداخل وما ترمي إليه اصطلاحاتها من معانٍ. وفي ضوء هذا التقديم وشرح المداخل يمضي في عرض بطاقات التعريف بسور القرآن الكريم بدءًا بفاتحة الكتاب، وانتهاء بسورة الناس، في أسلوب إيجازي سلس، استخدم فيه المؤلف رسومًا بيانية إيضاحية، لا أشك أنها ستعين قارئ هذا الكتاب، وطلاب المعرفة للوقوف على بعض أسرار القرآن الكريم وسوره، بهذه الصورة الحديثة والمبتكرة؛ فله الشكر أجزله على ما قدّم في هذا السفر المهم، ونسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، كما يمتد الشكر للشيخ عبدالعزيز حنفي، رئيس مجلس إدارة مشروع تعظيم القرآن الكريم، في سعيهم المستمر إلى رفد الساحة الفكرية والعلمية بمثل هذه المؤلفات القيمة.