أعلنت تركيا الثلاثاء "استكمال" الاستعدادات لشن عملية عسكرية في شمال سوريا، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكد أنه لم يتخل عن الأكراد بعد تصريحات أوحت بخلاف ذلك. ومعززة الانطباع بان هجوما على وحدات حماية الشعب الكردية بات وشيكا، أعلنت وزارة الدفاع التركية أن "كافة الاستعدادات استكملت لشن عملية". وسحبت الولاياتالمتحدة بين 50 و100 جنديّ من أفراد القوّات الخاصّة من الحدود الشمالية الاثنين، حيث كان دورهم يقتصر على منع هجوم خطط الجيش التركي له منذ فترة طويلة ضد المقاتلين الاكراد في سوريا. وأثارت خطوة ترامب المفاجئة انتقادات واسعة من كبار الجمهوريين، إذ اعتُبرت بمثابة تخلٍ عن القوات الكردية التي كانت حليفًا رئيسيًا لواشنطن في معركتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية. لكن بدا ترامب وكأنه عدل موقفه في وقت لاحق الإثنين، فهدد عبر تويتر ب"القضاء" على الاقتصاد التركي إذا قامت أنقرة بأي أمر يعتبره غير مناسب. وقال "أبلغت تركيا أنها إذا قامت بأي أمر يتجاوز ما نعتبره إنسانيا (...) فسيواجهون اقتصاداً مدمّراً بالكامل". وكتب ترامب في تغريدة على تويتر، "قد نكون في طور مغادرة سوريا، لكننا لم نتخل بأي شكل من الأشكال عن الأكراد الذين هم أشخاص مميزون ومقاتلون رائعون"، مشددا في الوقت نفسه على أن واشنطن لديها علاقة مهمة مع تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي والشريك التجاري. وردّ نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي على تهديد ترامب الثلاثاء، محذّراً من أن "تركيا ليست دولة تتحرّك بناء على التهديدات". ونددت أنقرة مراراً بالدعم الأميركي للقوات الكردية في سوريا نظراً لعلاقاتها مع حزب العمال الكردستاني المحظور الذي خاض تمرّداً داميًا ضد الدولة التركية منذ العام 1984. وجاء في تغريدة لوزارة الدفاع التركية "استُكملت جميع التحضيرات لتنفيذ عملية". من جهتها دعت روسيا الثلاثاء الى عدم "تقويض التسوية السلمية" للنزاع في سوريا حيث يواجه الأكراد تهديدا بشن هجوم تركي. وذكرت وكالات الانباء نقلا عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله ان الرئيس فلاديمير بوتين ومجلس الأمن الروسي شددا في اجتماع "على أهمية تجنب أي عمل من شأنه أن يقوض التسوية السلمية" للنزاع في سوريا. أما الحكومة السورية فرأت في التطورات الأخيرة فرصة لدعوة الأكراد للعودة "إلى الوطن". وقال نائب وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد في تصريحات لصحيفة "الوطن"، المقربة من دمشق، "قلنا إن من يرتمي بأحضان الأجنبي فسيرميه الأجنبي بقرف بعيداً عنه وهذا ما حصل". واضاف المقداد في أول تعليق رسمي سوري "سندافع عن كل الأراضي السورية ولن نقبل بأي احتلال لأي أرض أو ذرة تراب سورية". رفض إيراني واتّهم حتى حلفاء ترامب الرئيس الأميركي بالتخلي عن الأكراد الذين يشكلون العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية وخسروا نحو 11 الف مقاتل في إطار دورهم القيادي في المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ونفى مسؤول أميركي رفيع أن يكون ترامب قد أعطى "الضوء الأخضر" لعملية عسكرية تركية، أثارت المخاوف كذلك بشأن مصير آلاف المحتجزين من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في مراكز اعتقال كردية. وشدد ترامب على ضرورة إنهاء التواجد العسكري الأميركي في المنطقة. وكان قال في تغريدة الاثنين "نريد إعادة جنودنا من هذه الحروب التي لا تنتهي. نحن أشبه بقوة شرطة. لا نقاتل بل نقوم بدور الشرطة". لكن كبار الجمهوريين انتقدوا القرار. وقال زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش ماكونيل "إن انسحابًا متسرعًا للقوات الأميركية من سوريا لا يمكن إلا أن يكون لصالح روسياوإيران ونظام الأسد". وأكّدت إيران، الداعم الأبرز للحكومة السورية الثلاثاء معارضتها لأي تحرّك عسكري تركي. وفي اتصال هاتفي مع نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو، أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن إيران "تعارض العملية العسكرية" ودعا إلى "احترام وحدة أراضي (سوريا) وسيادتها الوطنية". منطقة آمنة وأمس الاثنين أكد مسؤول كبير في الخارجية الاميركية ان القوات الاميركية التي تراقب المجال الجوي في شمال شرق سوريا أغلقته امام الطائرات التركية قائلا "لا ننوي تغيير ذلك في مستقبل قريب". وتطالب أنقرة ب"منطقة آمنة" على الحدود مع شمال سوريا تفصل مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد عن الحدود التركية وتسمح بعودة نحو 3,6 ملايين لاجئ سوري فروا من الحرب الأهلية المستمرة منذ ثماني سنوات. واعلن المسؤول الاميركي ردا على المشروع التركي بنقل لاجئين سوريين الى هذه المنطقة "انها الفكرة الاكثر جنونا التي سمعتها". وحذّر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) جوناثان هوفمان تركيا من التداعيات المزعزعة للاستقرار لأي اجتياح تنّفذه. وقال "أوضحت وزارة الدفاع لتركيا -- وهو ما قام به الرئيس كذلك -- بأننا لا ندعم عملية تركية في شمال سوريا". وتثير العملية التركية المخاوف من احتمال فرار نحو 10 آلاف مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية تحتجزهم قوات سوريا الديموقراطية حاليًا في حال اضطر مقاتلو المجموعة لمواجهة الجيش التركي. وبين هؤلاء، نحو ألفي عنصر من "المقاتلين الأجانب". واعلن ترامب أن تركيا وغيرها من الدول تتحمل مسؤولية التعامل مع محتجزي تنظيم الدولة الإسلامية. وقال "سيكون الآن على تركيا وأوروبا وسورياوإيران والعراق وروسيا والأكراد البحث عن مخرج وما الذي ينوون القيام به بمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين تم احتجازهم".