لا أشك لحظة في أن العمر أيام وليالٍ، بل وساعات ثمينة جداً، ولكنها عند كثير من الخلق أرخص ما يفرط فيه بسهولة، إما في صرفه فيما لا يعود عليه بنفع، أو يضيعه فيما يعود بكثير من الضرر، والإنسان هو من يملك وقته، فإذا أحسن استغلاله، فإنه لن يصرفه إلا فيما يعود عليه بالنفع بل بأعظم نفع، ولعل ربنا عندما جعل الصلاة على المؤمنين كتابًا موقوتًا، إنما أراد أن يشعر المرء أن كل لحظة من لحظات حياته هو محاسب عليها. وقد أخرج الإمام الترمذي في صحيحه الجامع عن أبي برزة نضلة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه وعن علمه فيمَ فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن جسمه فيمَ أبلاه) وربنا يقول (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدَّمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون). فالوقت هو عمرك الذي أفنيته فيما لا ينفعك، وكان ذلك أسوأ خطأ ترتكبه في حياتك، حيث تضيع هذا العمر دون أن تستفيد منه في دنياك فتتعلم حتى تصبح بين الناس عالماً، يرجع إليه فيما ينفع الناس، فيفيد نفسه ويبذل للغير النصيحة حتى يرتقي بحياته، وكلنا نعرف بالتجربة الحياتية أن كثيرًا من الناس توفرت له في حياته ما كان يمكنه أن ينتفع منه، وينفع الناس به، ولكن هواه دعاه للراحة والبحث عن الملذات، فأضاع أيام حياته دون أن ينتفع بها، وفات العمر حتى إذا كبر سنه وتناوشته الأمراض، على أن يغير من أحواله، لم يستطع أن يفعل، والإنسان لا يمكنه أن يتغير إلا اذا غيَّر ما بنفسه، فالله عز وجل يقول: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فلابد أن يغير أفكاره التي دعاه إليها هواه، وامتثل أمر ربه فغيَّر ما كان سببًا في ضياع أوقاته، وحرص عليها وأنفق أيام عمره وساعاته فيما هو نافع له في الدارين في الدنيا والآخرة، وبذل ما اكتسبه بالعلم والتجربة لغيره، فنصحه ألا يضيع عمره وأن يحرص عليه، فبذلك يرضي ربه ويسعد في حياته.