تعهدت كبرى شركات التكنولوجيا اليوم الأربعاء بتبني مجموعة من الإجراءات الجديدة التي تهدف إلى وقف المحتوى المتطرف العنيف على الإنترنت، وسط تزايد الضغوط من الحكومات بعد المجزرة التي وقعت في مسجدين في مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية. وأطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء النيوزيلاندية جاسيندا ارديرن مبادرة "نداء كرايست تشيرش" التي دعت إليها ارديرن بعد المجزرة التي وقعت في مارس 2019 حين قام رجل من المنادين بتفوق العرق الأبيض بإطلاق النار في مسجدين ما أدى إلى مقتل 51 شخصًا. وبث الهجوم مباشرة على فيسبوك من كاميرا مثبتة على رأسه. وشارك في إطلاق المبادرة عدد من قادة العالم وأبرز مسؤولي شركات التكنولوجيا. وجاء في بيان وقع عليه المشاركون "أن نشر مثل هذا المحتوى على الإنترنت له تأثيرات عكسية على حقوق الإنسان الخاصة بالضحايا وعلى أمننا الجماعي وعلى الناس في جميع أنحاء العالم". وفي وقت سابق من الأربعاء أعلنت مجموعة فيسبوك الأربعاء تشديد القيود على استخدام خدمتها للبث المباشر، لمنع التشارك الواسع لتسجيلات عنيفة كما حصل خلال مجزرة مسجدي كرايست تشيرش. وكانت فيسبوك واجهت انتقادات شديدة لتأخرها في حذف شريط الفيديو الذي انتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي. وشاركت فيسبوك في صياغة الالتزامات الجديدة. كما شاركت شركة غوغل ووحدة يوتيوب التابعة لها في التعهد، إضافة إلى تويتر وويكيبيديا وديلي موشن ومايكروسوفت. وأعلنت تلك الشركات أنها ستتعاون لإيجاد أدوات جديدة لتحديد وإزالة المحتوى المتطرف بسرعة مثل تبادل قواعد البيانات للمنشورات أو الصور العنيفة لضمان عدم انتشارها في العديد من المنصات. وأكدت أنها ستدرس طرق تعديل اللوغريتمات لمنع انتشار المحتوى العنيف أو الذي يحض على الكراهية بسرعة على الانترنت وتسهيل عملية إبلاغ المستخدمين عن المنشورات الضارة. وصرح مكتب ماكرون في بيان "لأول مرة تتفق الحكومات والمنظمات الدولية والشركات والمؤسسات الرقمية على سلسلة من الإجراءات والتعاون الطويل المدى لجعل الانترنت أكثر أمانا". ولكن تطوير أدوات وسياسات محددة هو أمر يعود إلى الشركات. وتهدف المبادرة الرمزية إلى مواصلة الضغط على شركات التواصل الاجتماعي، التي تواجه دعوات متزايدة من السياسيين في جميع أنحاء العالم لمنع منصاتها من أن تصبح ساحات لبث العنف المتطرف. وفي وقت سابق من الأربعاء صرحت رئيسة الوزراء النيوزيلندية في مقابلة مع شبكة سي إن إن "علينا التصدي لهذه المشكلة قبل وقوع الضرر" مضيفة "الأمر لا يقتصر على وضعنا القوانين، ولكن إحضارنا الشركات إلى الطاولة وإبلاغها أن عليها القيام بدور كذلك". وقد شددت العديد من الدول بالفعل القوانين لفرض عقوبات على الشركات التي لا تزيل المحتوى المسيء فور الإشارة إليه سواء من المستخدمين أو الحكومات. وقالت شركة فيسبوك إنها ستحظر مستخدمي "فيسبوك مباشر" الذين شاركوا محتوى متطرفا، كما ستعزز الضوابط الداخلية لمنع انتشار تسجيلات الفيديو المسيئة. وقال غاي روزن نائب رئيس الشركة لشؤون النزاهة في بيان "عقب الهجمات الإرهابية المروعة الأخيرة في نيوزيلندا، نعكف على مراجعة الإجراءات الإضافية التي يمكن اتخاذها للحد من استخدام خدماتنا للتسبب بالضرر أو نشر الكراهية". ولكن محللين يقولون أن تعهدات الأربعاء بتشديد الضوابط لن تحقق سوى نجاح محدود في منع الناس من الالتفاف على القواعد الحالية الهادفة إلى منع نشر العنف وخطاب الكراهية. وقال مارك ريس مدير تحرير موقع "نكست إنباكت" للتكنولوجيا "لا يمكنك أن تمنع تحميل المحتوى فذلك يتطلب موارد لرصد كل ما يضعه جميع مستخدمي الانترنت على الشبكة". وتساءل "هل يمكنك أن تتخيل محاولة التلفزيون أو الإذاعة لمنع الكلام التشهيري أو المسيء أو العنيف الذي يمكن أن يقوله أي شخص؟". ويأتي إطلاق نداء "كرايست تشيرش" في مناسبة القمة الثانية "تيك فور غود" التي أطلقت عام 2018 لبحث الطرق التي يمكن فيها استخدام التكنولوجيا الجديدة للمصلحة العامة مثل التعليم والصحة. وشارك في اللقاء مسؤولون كبار في عدد من كبرى شركات الانترنت وهي ويكيبيديا وتويتر ومايكروسوفت إضافة إلى شركة أوبر، إلا أن رئيس فيسبوك مايك زوكربرغ لم يشارك والتقى ماكرون بشكل شخصي الأسبوع الماضي. وأعلن البيت الأبيض أنه لن يوقع على نداء "كرايست تشيرش"، ومثل الولاياتالمتحدة وفد منخفض المستوى في لقاء وزراء التكنولوجيا في مجموعة السبع الذي جرى في باريس الأربعاء. وقالت رئيسة الوزراء النيوزيلاندية إن هذه المأساة أثارت صدمة لان الهجوم "أعد لكي ينتشر بسرعة كبرى" وذلك في مقابلة نشرتها الثلاثاء صحيفة "لوموند" الفرنسية. وأضافت أن "فيسبوك الذي استخدم كمنصة لبثه مباشرة حاول حذف الفيديو، لقد تم حذفه 1,5 مليون مرة". وأضافت أنه في مواجهة مثل هذه الظاهرة "لا يمكننا التحرك لوحدنا" على مستوى بلد، يجب تقديم رد على مستوى العالم". وقالت لشبكة "سي إن إن" نحو ثمانية آلاف نيوزيلندي اتصلوا بالخط الساخن للصحة العقلية بعد أن شاهدوا الفيديو.