قفز عدد من الموهوبين من ذوي الإعاقة فوق أسوار العجز وعدم القدرة وقدموا أروع إنموذج للإصرار والتحدّي، بل نجحوا في التعامل مع ما تبقى من أعضاء تتحرك ليجعلوها أداه ناطقة بالإبداع والتميز.. هذه هى الصورة التي رصدتها "المدينة" خلال المؤتمر الأول للموهوبين من ذوي الإعاقة الذي اختتم أعماله الثلاثاء الماضي.. لوحات رسمتها كفيفة بريشة الأمل وألوان الطموح وأبيات شعر نظمها طفل معاق ساخرا من صعاب الحياة وعثراتها.. ومع الفن الذي قدمه هؤلاء كانت الرغبة والإصرار في إكمال المسيرة دون حواجز توقف الهمّة أو تعطّل مشوار الغد الوردي. "المدينة" التقت هؤلاء على هامش المؤتمر ووقفت على قصص التحدي وآمال المستقبل. أنشد العالمية **************** نورة حمود مجرشي (30 عامًا) نموذج أبهر الحضور وعلى رأسهم وزير العمل والتنمية الاجتماعية، المهندس أحمد الراجحي، في المؤتمر، حيث قامت برسم لوحة إبداعية، ليتفاجأ الجميع بأن لديها إعاقة بصرية، ورغم ذلك نجحت في رسم بديع، وتحكي نورة قصتها حيث تقول: "بدأت إعاقتي عندما كان عمري 3 سنوات، وبدأت معاناتي حينها، ولكن بفضل الله ثم دعم والدتي استطعت مواصلة التعليم، وفي أثناء مراحل الدراسة اكتشفت مصادفة أن لدي موهبة الرسم، وبدأت شيئًا فشيئًا حتى أتقنت الرسم ولم تمنعني الإعاقة البصرية من ذلك، بل كانت دافعًا لي لبذل المزيد من الجهد والتضحية. وتضيف: "تعرفت على جمعية الإرادة من خلال مبادرة عمار، حيث شاركت في مسابقة لاكتشاف المواهب لذوي الإعاقة، وحصلت على المركز الثاني، حيث قامت الجمعية بتقديم دورات تأهيلية وتدريبية لتنمية مواهبنا، كما حضرت ورش عمل، للتعرف على المواهب لدى الفئات الأخرى من ذوي الإعاقة". وتشير نورة إلى أن موهبتها جعلتها تشارك بقوة في كثير من المسابقات للفنانين التشكيليين، وليس ذلك فحسب بل حصدت ألقابًا متعددة في عدد من الدول الخليجية، لافتة إلى أن الفن التشكيلي عابر للحدود، لذا تطمح الوصول للعالمية، وتأمل نورة مواصلة دراستها الجامعية في العاصمة الرياض، مؤكدة أنه لا إعاقة مع الإرادة. الإلقاء والتمثيل ********** الطفل سعد مجاهد المطيري (11 عامًا)، لديه إعاقة حركية طرفية، منذ ولادته المبكرة ولكنه أبى أن تبقى مواهبه الفنية حبيسة ظله، وإنما أصرّ أن تظهر تلك المواهب والمتمثلة في الإلقاء والتمثيل والشعر، للجمهور. ويقول والده: عندما ولد ابني سعد أخبرنا الأطباء بوجود إعاقة حركية لديه وتحديدا في الأطراف، استقبلت ذلك بحمد الله على قضائه، وبدأنا رحلة العلاج الطبيعي الممتدة لسنوات ولمسنا تحسنا كبيرا، بفضل الله تعالى، ثم بجهود جمعية الأطفال المعوقين بالمدينةالمنورة، حيث وجدنا منهم كل خير، إذ تحسنت حالته تدريجيا، وبدأ الالتحاق في التعليم.. وأضاف: فكرت بعمل سناب شات له، من أجل التفاعل معه، وزيادة في تشجيع المتابعين له، ولاحظت زيادة الحماس لديه وانضباطية في أداء تمارين العلاج الطبيعي كحافز له. ويحكي والد الطفل سعد موهبته بقوله: "في إحدى حفلات أمير منطقة المدينة، شارك الابن سعد في إلقاء قصيدة وطنية، وكان أداؤه عاليا رغم صغر سنه، كما حضرنا بعده احتفال مهرجان طيبة، ووسط حضور يقارب 20 ألف تفاجأنا برغبته وإلحاحه الشديد في إلقاء قصيدة رغم عدم الاستعداد والترتيب، وبعد عرض ذلك على المسؤولين تمت الموافقة، وكان ذلك بمثابة كسر حاجز رهبة الجماهير. مضيفا: "بدأ بعدها في تنزيل منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع هادفة عن ذوي الإعاقة، وتعرفنا عن جمعية الإرادة من خلال مبادرة عمار وهي مسابقة لتبني المواهب من ذوي الإعاقة لتدريبهم لمدة عام وتنمية مواهبهم، ومن بين 195 مشاركًا حصل سعد على المركز الثالث.. كما تم اختياره لتدشين الموقع الإلكتروني بحضور وزير العمل مؤخرا، وقام بأداء مشهد كوميدي في الحفل. الشلل النصفي ************** مضحي القريني (27 عاما) دفعته الإصابة بالشلل النصفي السفلي جرّاء حادث مروري قبل 9 سنوات، لأن يصبح أخصائيا اجتماعيا يوجه الشباب حاملا معه رسالة الأمل. ويقول: "أكرمني الله بتلك الإصابة، ليمنحني طاقة إيجابية رهيبة أصبحت بعدها صانع أمل للشباب، حيث كانت المرحلة التي بعد الإصابة نقطة التحول في حياتي، حيث انتقلت إلى مدينة الأمير سلطان بالرياض والتي اعتبرها المدينة الأم التي ساعدتنا وأهّلتنا وأخرجتنا من محيط الحزن إلى محيط السعادة والإيجابية، كما أهلتنا كيف نواجه الإعاقة، وكيف نواجه المجتمع؟".. ويضيف: واصلت دراستي الجامعية وتخرجت من جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض تخصص (أخصائي اجتماعي)، كما شاركت في الكثير من الفعاليات في بعض مناطق ومدن المملكة لإيصال رسالة الأمل والشباب من ذوي الإعاقة، وأننا سنتحدى الصعاب، ولن تمنعنا الإعاقة من الوصول لتحقيق أهدافنا بإذن الله، وكشف القريني عن طموحه بقوله: "أطمح بإنشاء مؤسسة لتنظيم الفعاليات والأعمال المسرحية والأعمال التطوعية لذوي الإعاقة، كما تكون مشاركتها لمختلف شرائح المجتمع، حتى يكون هناك دمج فِعلي في المجتمع لذوي الإعاقة، ومن خلالها يبرزون مواهبهم المختلفة عبر تلك المؤسسة".