عندما جرى استبعاد محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، من لقاءات بشار الأسد، الرئيس السوري، الأخيرة بالمسئولين الإيرانيين وحضر هذه اللقاءات سليماني، الذراع العسكري للنظام الإيراني داخل وخارج البلاد، كان ذلك رسالة لظريف بأنه ليس بتلك الأهمية بالنسبة للسياسة الإيرانية وأن قيمته تقلصت بالنسبة لحكام طهران بعد أن تخلت عنه أميركا التي شارك معها في صياغة ما سُمي بالاتفاق النووي مع إيران. وشعر الرجل، كما يبدو من تصرفاته، بأن هذه القشة قصمت ظهر البعير، وسارع عبر وسائل التواصل الإجتماعي بإعلان استقالته، التي خشي كما يظهر من الأحداث أن أصدقاءه في أميركا وأوربا لن يسمحوا بها إن تقدم بها بصورة مباشرة الى رئيس الجمهورية، روحاني . ولم تقبل الاستقالة المعلنة بل سارع حتى سليماني الى مطالبته بسحبها، وليس من الواضح فيما إذا كانت الاستقالة المعلنة على وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا من مخطط للنظام الإيراني لجذب المزيد من الاهتمام للوصول بقضية المفاوضات القائمة الآن فيما بين الإيرانيين من جهة والأوربيين والأميركيين من جهة أخرى حول تعديل الاتفاق النووي مع إيران الى نهاية سريعة، أم أنها تعبر فعلاً عن الحالة النفسية السيئة لمحمد جواد ظريف. إلا أن نتيجة الإعلان عن الاستقالة كانت سيلاً من المقالات في وسائل الإعلام بأميركا وأوربا التي تثني على ظريف وتكيل له المديح، وتطالب بالمحافظة عليه. مشكلة إيران ، التي يسعى الغربيون إلى إغماض عيونهم عن أفعالها أنها تمثل خطراً كبيراً على جيرانها في الشرق الأوسط، وخاصة العرب، بوجود ظريف أو بدونه. فمنذ فبراير عام 1979 ، عندما عاد «آية الله روح الله» خوميني من فرنسا، وإعلانه قيام «جمهورية إيران الإسلامية»، ورفعه شعار تصدير الثورة، قامت طهران ببث الإرهاب والخوف بشكل كبير على ساحة المنطقة. وذلك بعد أن توج الخوميني دولته بمحاكمات علنية وإعدامات جماعية لمواطنين إيرانيين وواصل بعدها سياسة القمع بمواجهة أي معارضة في الداخل له بالإعدام أو السجن أودفع المعارضين للهروب الى المنفى خارج البلاد. وهو يواصل تمدده الإرهابي بنشر الرعب والتخريب عبر تجنيد المليشيات المسلحة في الدول العربية، أكان حزب الله بلبنان أو الحوثي في اليمن أو عشرات المليشيات في العراق وسوريا. هذا الوضع يقودنا للعودة الى نظرية المؤامرة التي تقول إن وضع رجال الدين الشيعة على رأس السلطة في طهران هو جزء من مؤامرة كبرى للغرب الذي يخشى قيام كتلة إسلامية ضخمة في المستقبل تهدد انفراده بالهيمنة على العالم وهو بوجود رجال دين شيعة في طهران يأمل تقسيم العالم الإسلامي بين شيعة وسنة، وأن تسهيله دخول المليشيات الشيعية الإيرانية الى العراق وإقامة مليشيات شيعية أخرى فيها هو جزء من هذه المؤامرة التي كانت بدايتها إقامة كيان ديني آخر في فلسطين (إسرائيل واليهودية) ليساهم في تقسيم المنطقة العربية، ونجح بالفعل رجال الدين الإيرانيون في إقامة ما سُمي بالهلال الشيعي من العراق وسوريا ولبنان بالإضافة الى جماعة الحوثي باليمن (من أول من حذر من هذا الهلال كان الملك عبد الله بن الحسين، الملك الأردني). يستطيع العرب محاولة تجاوز ما يمكن أن يكون مؤامرة عليهم وعلى مذهبهم بالسعي لاكتشاف المعوقات الممكنة لنظام آيات الله بطهران، لاستخدامه في إنهاء هذا النظام. فالمواطن الإيراني واحد من الشعوب المثقفة في المنطقة، ما قبل الثورة، إلا أنهم يفرون من البلاد متى توفرت لهم الفرص بعد أن أصبح النظام يمنع عنهم الوصول الى الإنترنت والقنوات الفضائية وتحوَّل رجال النظام من الملالي الى تجار سوق سوداء يكوِّنون ثروات ضخمة عبر المتاجرة بكل شيء يحرمه نظامهم. كما أن أيران تتكون من قوميات متعددة تجعل انفلاتها من قبضة رجال الدين الشيعة حلماً من أحلامهم. والمواطن الإيراني ينشد الحرية والرخاء ويتمنى أن يصبح جزءًا من الاقتصاد العالمي ليتمتع بما يتمتع به الكثير من جيرانه وخاصة الخليجيين. على الدول العربية أن تتحرك بفاعلية أكبر لوقف التمدد الإيراني الخبيث، فالسلبية في هذا الأمر ستكون مخاطرها عالية على السلبيين هؤلاء وعلى شعوبنا جميعاً.