تأكل الطعام بشراهة، ترتاد الأسواق ليس لحاجة بل للشراء فقط، تطلب من الشرق والغرب عبر حاسوبها والمزيد من الكماليات، تشتري لتأكُل، ترتدي أغلى الحلل، تقطع روتينها بمزيد من الطلبات، لا تعرف الكلل أو الملل، تقطُنُ في قصر كبير لا تخرج منه أبداً، كل من يعرفها يباغتُها بزيارة مفاجئة، فتفرش سفرتها العامرة وتدعو أحبابها إليها، ليس لديها خدم وحشم فقد ورثت عن أمها بأن في العمل بركة، وإشغالاً للوقت، وتحريكاً للبدن. لم تكن حليمة تشكو لأحد، بل ليس لديها متسع من الوقت لتفضفض.. القادمون والمغادرون لا يمهلونها لتلتقط أنفاسها. استيقظت ذات صباح بمزاج سيىء، قررت أن تغلق قصرها وأن لا ترد على أحد.. كانت الأبواب موصدة بعناية، وجرس الهاتف يرن دون جواب! جلست مع نفسها وتنهدت بصوت مسموع، لِمَ كل هذا ؟! لماذا لا أخرج من هذا السجن الذي حبستُ فيه نفسي طيلة هذه السنوات، حتى ولَّى شبابي ولم ينبهني أحد. الكل صامت يتفرج عليّ دون أن ينبس بكلمة، يبتهج الناس بزيارتهم لي لأنني لم أبخل عليهم بشيء، يأتون ويغادرون، يحكون ويضحكون، وأنا أستمع وأشاركهم همومهم حتى تلبسني الهم، وأصبحتُ أشبه بقطعة أثاث ثمينة لا يجرؤ على لمسها أحد. مرت السنوات وهي على حالها، وفي نفس مكانها، ينفض الغبار عنها كل حين وحين.. كادت أن تُصدق هذا الهاجس بل لم تمهله ليزدرد ريقه، قامت مباشرة وأخذت سماعة الهاتف لتوقف هذا الرنين: «المعذرة.. ها أنا قادمة».