على الرغم من مرور 40 عاما كاملة على بروزها في المملكة، إلا أن الأوجاع الإنسانية والاقتصادية الناجمة عن المساهمات الوهمية لازالت تتوارثها الأجيال في ظل غياب قانون رادع لها، والاكتفاء بأحكام تعزيزية بعد مماطلات وجولات في المحاكم لسنوات، تكون معها الخسائر قد تضاعفت بمراحل. وفيما أعادت قضية توظيف الأموال في عسير مؤخرا والبالغ حجمها 3 مليارات ريال، تقريبا هذه القضية إلى الأضواء، يطالب قانونيون بضرورة تجريم هذه المساهمات ورفع مستوى الوعي في ظل تعدد الحيل المبتكرة للنصابين والمحتالين، ولاسيما فيما يتعلق بضرورة السؤال عن نظاميتها . ولعل الذاكرة لازالت تحفظ على سبيل التندر، تهافت الحالمون بالثراء على المحتالين من أجل ترك أموالهم لديهم رغم تهرب النصابين منهم خشية عليهم فيما بعد من أمراض القلب والسكر والجلطات الدماغية.. وفيما لاتزال الأوجاع مرشحة لسنوات أخرى من أجل إنهاء أكثر من 300 مساهمة عقارية متعثرة على الأقل، يثور السؤال، عن الأسباب الكامنة وراء عدم تجريم هذه الممارسات التي تنطوي على عمليات تحايل من أجل غسيل الأموال وتهريبها إلى الخارج ولماذا لايتم إطلاق حملة لتجفيف هذه الأساليب. الجعيد: غير مجرمة قانونيا وتنطوي على غسيل أموال أكد الدكتور أصيل الجعيد أستاذ القانون، أنه على الرغم من مرور سنوات عديدة على بروز قضايا المساهمات الوهمية، فإنه لايوجد حتى الآن قانون يجرمها عدا مسؤولية ملاكها القانونية، مشيرا أنها أنواع مختلفة، لكن الأهم في هذا الجانب هو أن أي مساهمات يحكمها قوانين هيئة سوق المال ولوائحها في إطار قانوني محدد، فإن الحقوق بها محفوظة والضوابط الواضحة ستحدد كيفية إدارتها بعد الأخذ بآراء الجمعية العمومية للمساهمين .وأشار إلى أن أكثر أنواع المساهمات تحايلا هي التي تنطوي على تشغيل الأموال بدون أي إطار قانوني، ما عدا بعض الأوراق التي يتم توثيقها كالديون، وهي في الحقيقة تنطوي على تجميع للأموال من عدة جهات وأشخاص بغية الثراء السريع، وعدم توضيح المخاطر، وفي أغلب الأحيان يكون النصب والاحتيال سيد الموقف، وكان أبرزها مساهمات بطاقات سوا ومكائن الخياطة والبيض و الزئبق الأحمر وغيرها، معربا عن أسفه الشديد لاستمرار البعض في الترويج للثراء السريع عبر تشغيل الأموال إلى أن وصل الأمر لدى البعض ببيع أملاكهم للاشتراك في المساهمات الوهمية. ولفت إلى وجود ثغرات تسهل للمحتالين خداع الجمهور، من أبرزها الوفرة المالية والجشع والطمع رغبة في الثراء السريع، ويبدأ ذلك بإظهار المحتال الثراء السريع والاستعراض بما لديه من مال وربما أقام ولائم كبيرة لتجميع أكبر عدد من الناس، لإخبارهم بقصة ثرائه السريع وكيف أن الاستثمار غير حياته، ويبدأ بتجميع المال من معارفه وأصدقائه حتى يترك انطباعا جيدا ويأخذ الأموال من المؤثرين من معارفه وأصدقائه. تعزير المتورطين لايحقق الردع العام أوصى الجعيد، جميع الراغبين في الاستثمار بضرورة استشارة المختصين القانونيين والماليين وعدم الاستعجال بالاستثمار بأي شيء لضمان عدم المخاطرة، موضحا أن لكل استثمار مخاطر و تبعات وأشكالا وأطرا قانونية مختلفة. ولفت إلى أن جهود الجهات الحكومية لمنع الوقوع في المساهمات الوهمية بحاجة لمزيد من الاهتمام لخطورة الوضع على الأسر التي وضعت مدخراتها بالكامل بها وغدت بين ليلة وضحاها معدمة. وطالب بأن يكون لهذا النوع من التصرفات غير القانونية شق جنائي بعقوبات صارمة، مشيرا إلى البيان المشترك الذي أصدرته مؤسسة النقد وهيئة سوق المال ووزارة التجارة والاستثمار للتحذير من هذه الممارسات اللاأخلاقية وغيرالقانونية للمساهمات الوهمية. الغامدي: ثغرات الأنظمة وراء انتشار النصب والاحتيال حذر المحامي علي الغامدي من دور وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للمساهمات الوهمية في السنوات الأخيرة، بيد أن المسؤول الأول عن انتشارها هو وجود أرضية مهيأة لمثل هذه التعاملات التي لا تستند لبديهيات وأساسيات التجارة والاستثمار السليم، وإنما استغلال البسطاء من الناس بدافع الربح السريع . ونبه إلى أن اللوم يقع أولا وأخيرا على الشخص أو المجتمع المستهدف، لاسيما وأنها تظهر كل فترة وأخرى بهيئة وشكل جديد، ومهما بلغت الأنظمة من قوة تظل ممارسات النصب والاحتيال حاضرة بطرق كثيرة ومختلفة. وشدد على أهمية الوعي التجاري ومعرفة طرق الاستثمار السليمة وإدراك مدى خطورة النصب والاحتيال، مشيرا إلى أن ضعيفي الخبرة بشؤون التجارة هم في صدارة الضحايا. آل منسي: تهريب الأموال للخارج ومساومة الضحايا للرضى بالقليل أكد المحامي نايف آل منسي أن أكثر المساهمات الوهمية في السنوات الأخيرة، كانت عقارية، ويأتي بعدها المساهمات التي تعتمد في الأصل على السلع الوهمية مثل الابقار والمكائن وغيرها، مشيرا أن الشخص المحتال يعرف جيدا كيفية استغلال الثغرات التنظيمية في إبرام العقود حتى يتهرب من أي مسؤولية لإعادة المال المنهوب، ويفاقم من الوضع. عدم وجود أي آلية للمتابعة والتحقق خصوصا وأنهم يعتمدون في عقودهم على صياغتها بشكل فضفاض وهنا تقع المسؤولية على الفرد نفسه، الذي يجب أن يتجنب هذه المساهمات، فيما يقع جزء من المسؤولية على الجهات ذات العلاقة من خلال مزيد من القيود والرقابة على الحركات المالية، ولعل ذلك ما حدث مؤخرا بإصدار تنظيم خاص للمساهمات العقارية وعلى أثر ذلك تراجعت بشكل كبير، ولفت إلى أهمية إيقاف المتورطين في الاحتيال من خلال المساهمات الوهمية إلى أن تنتهي المحاكمة بأحكام تعزيرية حسب نظر القاضي لعدم وجود عقوبة محددة لهذه الجرائم، مشيرا إلى أن أغلب أصحاب هذه المساهمات يحولون هذه الأموال إلى بنوك خارجية بالتهريب وبعدها يبدأون بمساومة المساهمين على أموالهم من خلال إعطائهم أقل مما استلموا وفي النهاية يخضع الجميع باعتبار ذلك الحل هو طوق النجاة وأفضل من لاشيء. إنهاء 262 مساهمة عقارية من أصل 629 أعادت لجنة المساهمات العقارية «تصفية» نحو 6.7 مليار ريال ل 31.699 ألف مساهم، مشيرة إلى تصفية 262 مساهمة من أصل 629، كما توجد 240 مساهمة تحت إجراءات المتابعة من قبل اللجنة. وبلغ عدد المساهمات التي لا تقع تحت اختصاص اللجنة 127 مساهمة، وأكدت اللجنة التي تأسست قبل أكثر من 10 سنوات على إنهاء جميع المساهمات سريعا من خلال متابعتها سواء في المحاكم أو البلديات أو وزارة العمل واتخاذ الإجراءات النظامية بما فيها المنع من السفر وإحالة القضايا إلى قضاء التنفيذ لاسترداد حقوق المتضررين . وتجد اللجنة صعوبات كبيرة في عملها في ظل مماطلة غالبية أصحاب المساهمات في التجاوب معها، وتتنوع المساهمات في مجال العقار بأوجه مختلفة منها شراء العقار للغير والتقسيط في السداد والمساهمة في مخططات وهمية والإعلان عن مساهمة للشراء في المخططات، ومن الصور الأخرى للاحتيال مجال التداول في الأسهم، اذ فتح بعض المحتالين مكاتب لجمع الأموال للمضاربة في الأسهم وتوزيع الأرباح الوهمية المغرية والتي تدفع المواطن إلى بيع أغلى ما يملك للمساهمة، وتوسعت الدائرة إلى فتح مكاتب للتداولات في الأسهم العالمية من قبل مجموعة محترفة في النصب والضحك على البسطاء الذين يكتشفوا بعد فترة زيف المشروع ويصاحب ذلك فقدان المساهم لرأس المال والبدء في دوامة مراجعة الجهات الرسمية للحصول على حقوقهم المالية لدى النصابين. مساهمة الأجهوري الأقدم في المملكة تعد مساهمة فؤاد الأجهوري أقدم مساهمة عقارية متعثرة في المملكة، وقد توزعت جنسيات المساهمين ما بين 60 بالمائة منهم سعوديون، و40 بالمائة غير سعوديين، تفرقوا بين 20 جنسية، وتباينت قيمة مساهماتهم في ذلك الوقت بين 50 ألفا - 500 ألف ريال، ليصل إجماليها إلى 850 مليون ريال. آل ظفران: تجار عقار جمعوا ثروات طائلة من جيوب بسطاء يبحثون عن الثراء أرجع أستاذ القانون الدكتور محمد آل ظفران تعثر المساهمات العقارية لعدم وجود آلية وأنظمة وتشريعات تحدد عملها، وتضمن حقوق المساهمين فيها، موضحا أن القائمين على بعضها استغل ما بحوزته من أموال ليست ملكه في الأصل، وشارك بها في مشروعات أخرى خاصة، مما عرض أموال المساهمين للخطر، وأدى إلى التعثر وأشار إلى أنه اطلع بحكم اختصاصه على كثير من الإشكاليات التي تعوق نجاحها، وكيف أن بعض تجار العقار منذ فترة بعيدة يجمعون ثروات طائلة من جيوب مواطنين بسطاء أغرتهم الرغبة في الأرباح، وربما الثراء، حتى دفعوا ما جمعوه من مبالغ إلى مساهمات إما وهمية، أو متعثرة، دون وجود نظام يكفل لهم حقوقهم، ويردع المتحايلين في سوق عقاري تتجاوز حجم استثماراته ما يزيد عن 2 تريليون ريال . ولفت إلى مئات المساهمات العقارية المتعثرة التي تعمل على تصفيتها «لجنة المساهمات العقارية» برئاسة وزير التجارة والصناعة، وعضوية ممثلين من عدة جهات؛ مما اضطر اللجنة إلى إيقاف إصدار تراخيص جديدة، إلى حين الانتهاء من المتعثّر والمجهول منها في مختلف المدن وشدد على أهمية الدور الذي تقوم به اللجنة التي أطلقت حملة «حقوقكم أمانة 3»، لإيصال الحقوق لأصحابها، الذين لم يتقدموا لها في السنوات الماضية. وأوضح أن المساهمات المتعثرة والتي ظهرت في العشر سنوات الأخيرة كان لها أثر سلبي واضح، حيث يتجه بعض العاملين في المجال العقاري وغيره إلى جمع أموال المساهمين بغرض الاستثمار مقابل جزء من الأرباح، وهو ما يعرف في الفقه الإسلامي بالمضاربة، كما يمكن تعريفها بأنها عقد يتم بموجبه اشتراك شخصين فأكثر في صفقة واحدة لشراء عقار معين بقصد الاتجار به وطلب الربح، وهي بهذا المعنى استثمار جماعي مشترك بين مجموعة من الأشخاص، ويديرها ما يعرف بمدير المساهمة مقابل نسبة في الربح. المغلوث: الحالمون بالثراء أغلب ضحايا المساهمات الوهمية قال عضو الجمعية السعودية للاقتصاد الدكتورعبدالله المغلوث إن غالبية ضحايا المساهمات الوهمية كانوا من الحالمين بالثراء، لافتا إلى أن الطموح للكسب السريع والوصول إلى الثراء بأسهل طريقة كان حلم العديد من الناس عبر العصور إلا أن تلك الأحلام تضخمت في السنوات الأخيرة مع انتشار المساهمات العقارية وغيرها، وقد دفع ذلك البعض إلى المساهمة بما لديهم من أموال فيما باع البعض الآخر منزله وسيارته وممتلكاته دون أي محاولات للتأكد من نظاميتها، كما حصل البعض على قروض ضخمة للمشاركة بها، وكان آخر عهدهم بتلك الأموال لحظة تسليمها لهوامير المساهمات لتتبقى لهم الديون والأوهام. وأشار إلى أن المساهمات الوهمية توغلت في الكثير من الأوساط حتى وصلت إلى أموال الأيتام والأرامل والفقراء والمدينين بل تعدى ذلك إلى أموال عامة خيرية غامر من هم تحت أيديهم بتسليمها لأصحاب هذه المساهمات وضاعت هي وأرباحها. ولفت إلى أن المواجهة الصحيحية تبدأ من خلال ضبط عقود هذه المساهمات من خلال مكاتب محاماة والتحري عن نظاميتها ومنع الأفراد والمؤسسات الفردية من مزاولة مثل هذه الأنشطة وقصرها على الشركات ذات الشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة ومسارعة الجهات المختصة بمعالجة المشكلة حال وقوعها بما فيها الجهات القضائية خصوصا وأن العامل الأهم والأساس هو الوعي من قبل المستثمرين بحجم المشكلة وحيل المحتالين والاستفادة من التجارب السابقة. وأكد وجود صعوبة في التعرف على هذه الفئة ولكن قد يكون من المقبول اعتبار القواسم المشتركة بينهم معايير ومحددات للتعرف عليهم ومن ذلك الوعد بأرباح كبيرة في فترة وجيزة والسعي إلى توسيط عدد من الأشخاص وإعطائهم نسبا من المبالغ التي يجلبونها في مقابل ذلك وتعدد أنشطة بعضهم بحيث لا يمتنع عن القيام بأي أعمال تجارية . وحذر من مخاطرها الاقتصادية ممثلة في غسيل الأموال والمتاجرة غير الشرعية، مما ينعكس سلبا على الحراك الاقتصادي ونموه، لافتا إلى أن الوضع شهد تحسنا في الآونة الأخيرة من خلال آليات المراقبة التي وضعتها وزارة الاستثمار للحد منها.