لم أكن أُتابع قضية الشابة السعودية الهاربة؛ على اعتبار أنها قضية عائلية عادية تحدث في كثير من المجتمعات، فالهروب من الأسرة ليس أمراً طبيعياً، ولكنه قد يحدث، فالمشاكل العائلية موجودة ولها أسبابها المختلفة، والتي عادةً ما تتمحور في أن الشاب أو الشابة لم يتكيّفوا مع أسلوب الأسرة، ولم يقتنعوا بمبادئها، ويلبوا متطلباتها، ولم ينجح الوالدان في تربية أبنائهم مما ساهم في تمرّدهم عليهما، وخروجهم من الأسرة بحثاً عن مأوى آخر. بعد وصول الفتاة الهاربة إلى تايلاند، ارتفع ضجيج قضيتها، وخرج عن إطار الخلاف الأسري الذي كان يحيط بها في بدايتها لتصبح قضية رأي عام، فتلقفتها وسائل الإعلام الدولية وبعض الدول والمنظمات التي تدّعي أنها إنسانية، وخصوصاً تلك التي لا تصدق أن تجد أي شيء يمكن أن يُستخدَم للإساءة للسعودية، لتبدأ في استغلال تلك القضية سياسياً، وتعمل على مساعدة أمثال أولئك من المراهقات اللاتي لا يعرف كثير منهن أين مصلحتهن، وتغرر بهن وتدعمهن للخروج على قِيَم وتقاليد أسرهن ومجتمعاتهن. لقد قامت وزيرة الخارجية الكندية والتي ساهمت بسياستها المفتقرة للالتزام بالأعراف الدبلوماسية باستقبال الفتاة الهاربة في كندا، محاولةً استغلال تلك القضية للإساءة للسعودية، ومرحبة بتلك الفتاة الهاربة، ومانحة إياها الجنسية الكندية خلال ساعات، ومعتبرة إياها مواطنة كندية دون أي اعتبار للعلاقات الدولية، والتي هي في الأساس لا تزال متوترة بين البلدين، مستخدمة تلك الحادثة لتحقيق مكسب إعلامي وهمي ورخيص. في الوقت الذي يغص فيه العالم باللاجئين الحقيقيين الذين يفرّون كل يوم من ويلات الحروب وحوادث القتل التي تقوم بها الميليشيات والعصابات الإرهابية المنتشرة في بعض الدول، ويموت بعضهم غرقاً في البحار المختلفة وقد بلغت أعدادهم عشرات الملايين، فإننا نجد بعض الدول والمنظمات الدولية لا تُحرِّك ساكناً لإنقاذ أولئك الأبرياء، ولا تتفاعل مع قضاياهم، ولا تتسابق الدول لفتح أبوابها لاستقبالهم وتوفير العناية والرعاية المطلوبة لهم، ولكن يكفي أن تعلن عن هروب فتاة سعودية واحدة لتجد أبواب دول كتايلاند وأستراليا وكندا تُرحِّب بها فوراً، وتتنافس لمنحها اللجوء السياسي وهي مراهقة هاربة ومتمرِّدة على أسرتها ومجتمعها وقِيَمها التي نشأت عليها. هذا نموذج جديد للنفاق الدولي عندما يسعى لاستغلال قضية عائلية لمراهقة صغيرة ليجعل منها قضية رأي عام دولية، مستغلين بعض المنظمات التي تدّعي حرصها على حقوق الإنسان، وهي في الأساس منصات سياسية تكيل بمكيالين وتحمي حقوقها، لا حقوق الإنسان الذي لا قيمة له عندها.