لست أقصد الفوطة المكية الجاوية التي لبستها صبيًا ثم وجدت التخلي عنها سراً خيراً لي من أن تفاجئني بالتخلى عني علنًا بعد عجزي مرارًا عن إحكام ربطها، فتركتها! إنما أقصد فوطة لا يعرفها الناس إلا من الصحف والألسنة، أو قطعة الشاش التي ينتشر خبر نسيانها في جوف مريض بعد الجراحة. أقول عن علم وخبرة وواقع عمل إن الجراح لا يعمل وحده، ولا يُعقل أنه يخدر المريض ويراقب علاماته الحيوية ويجري العملية ويتناول الأدوات وحده ثم ينهي التخدير. يكون معه جراح ثان وثالث وممرض وأكثر يساعده، وآخر حولهم لتأمين الطلبات الطارئة، عدا فريق التخدير. بقليل تفكير وباطلاع على مشهد جراحي في خبر وقصة، تظهر حقيقة فريق الجراحة. الجراح قد يهمل ويسهو ويتهور، لكن أعداد الفوط والأدوات قبل العملية وأثناءها وبعدها يُسجلها ويراجعها المساعدون مكتوبة على لوح أو غيره، ولا يجوز أن ينتهي جراح من عملية، لأنها عادة تلقائية أن ينتظر، حتى يقال إن أعداد كل الأشياء كاملة، يطابق آخرها أولها.. قد تضطرب أصوات وأشخاص وترتيبات إذا لم تتبع النظم بدقة.. وقد يتهم الجراح من يجهل بالفريق الجراحي.. إذا كان مع أعظم جراح فريق سيىء في غرفة عمليات سيئة تتبع لإدارة سيئة فلن يقترن اسمه بالشهرة، كما أنه قد يُذم وحده كما يُمدح وحده. تلك حقائق يمكن الرجوع إلى مصادرها، أرجو ببيانها أن يلقى المخطىء ما يستحقه طبيبًا كان أو آخر لا يعرفه المريض وذووه.. لا بد لنا مع تيسر العلم والجراحات الحديثة والمستشفيات الضخمة وعلوم تقنياتها وإداراتها، أن نحرص على فهم أمور أضحت بديهية لا غموض فيها ولا أسرار، من أجل وضعها في نصابها الصحيح فيحاسب المستحق معروفًا أو مجهولاً.