تعتور عملية النقد للنصوص الأدبية المطروحة على مواقع التواصل الاجتماعي إشكاليات عديدة، إذ لا تخلو من انطباعية غير مسنودة بالحد الأدنى من متطلبات النقد وإبداء الآراء.. مع بروز ظاهرة الشللية والتطبيل، والانحياز لتيار كتابي دون آخر.. وغير ذلك من الإشكاليات الأخرى، التي تتجلى بوضوح في مجموعة القصة القصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي «الواتساب»، حيث رصدت «المدينة» النقاش الذي أداره الأعضاء حول أزمة النقد في المجموعة، وآفاق الحل، في سياق هذا الاستطلاع.. نصوص للريح ويتداخل القاص حسين الغامدي بقوله: لماذا لا نعترف أننا حالمون.. وكثير من نصوصنا ستعصف بها الريح.. وربما بعضها لا يستحق القراءة! في اعتقادي أن القصة وكتابتها هواية، ويجب أن تبقى هواية، متى ما سنحت الظروف.. فعندما تصبح شغلنا الشاغل حتمًا ستفقد رونقها وحبنا لها، ومن الذي لديه الوقت والنفس الطويل ليقرأ مجموعة كاملة على الواتساب، عن نفسي فإني لا أتفاعل مع النص لأحد هذه الأسباب: - إما لأني لم أقرأه بسبب انشغالي أو أي ظرف آخر. - وإما أن النص رديء، وليس من اللياقة كل من كتب نصًّا أجيبه: نصك رديء. - أو أن صاحب النص لا يحب سوى التطبيل، ولست أهلًا لهذا. استسهال واستهانة الدكتور عبدالله الطيب المدني قال: الذي نراه هو استسهال غير مسبوق واستهانة غير مسبوقة في كتابة القصة وال(ق ق ج) بالذات.. والعلاج يكون بالرجوع إلى النقد الصارم البناء، وإلى المعايير النقدية المؤسسة والمتوافق عليها، فالمشاركة مهمة بالتعليق على النصوص، سواء من وجهة نظر ناقد متمكن أو أديب وكاتب أو من وجهة نظر قارئ.. وفي كل خير، أما الصمت أو عدم التفاعل الذي نراه من أغلب الأعضاء فهو لا يخدم إلا صاحبه.. قد يقول البعض منهم إنهم يقرؤون ويستفيدون من القراءة، حسنًا؛ يا حبذا لو يكتبون لنا عن استفادتهم هذه في أضعف الأحوال! طبطبة ومجاملة ابتدر الحديث القاص الروائي ظافر الجبيري ب(5) نصائح أسداها للراغبين في طرح نصوصهم القصصية في مجموعات الواتساب، بقوله: * قدّموا النصوص التي لم تكتمل أو لم تنضج للمناقشة والطرح والتعليق. * اقبلوا الشفافية والنقد البنّاء والصادق. * عالجوا النصوص عندما تتفق معظم الآراء على ضرورة معالجتها. * تخلّصوا من الخواطر في كتاباتكم النوعية. * قدموا أفضل النصوص الجاهزة للنقد والمسابقة. ويمضي الجبيري مضيفًا: شخصيًا لو شاركت في مسابقة فقد لا أجد إلا نصًّا أو نصين تصمد لذائقة محكَمّين ومعاييرهم ولشيء مختلف عن عامة القصة التي ننشرها.. وقد نوقشت رسالتا ماجستير عن قصصي في الجامعة، حضرت إحداهما، والأخرى لم ترق لي، وتمنيت أنها لم تكن ولم تناقش، ولا أفخر بها، لضعف عام في آليات الباحث وقصوره المعرفي، وحتى مجاملة من أستاذه! ويختم الجبيري بقوله: بعض الأدعياء يسيء للأدب بوضع جوائز هزيلة ومنحها لنصوص لا تمثل الفن الأدبي في أفضل حالاته، ويزهو الكتاب والكاتبات بالوهم، وتبقى المشكلة قائمة بالمجاملات، وأكثر من يقع في هذا الكاتبات، وبعض الأدعياء من الكُتّاب الرجال، ويجب رفض هذه التصرفات المسيئة للأدب. أسس وركائز ويتداخل القاص يحيى العلكمي بقوله: إن ما لا تعدّه نصًا قصصيًا، قد يكون عند الآخرين غير ذلك، والواقع أني لست مع هذا الرأي، فالفنّ معروفة أسسه وركائزه، وما ليس قصة فهو لا يعدو كونه نصًا وجملًا مفيدة متوالية، ولقد عجبت منذ عودتي الأخيرة من مستوى الإطراء المبالغ فيه لنصوص لا تمت للفنّ بصلة، فيقال: رائع، وبديع، وغير ذلك مما يحفل به قاموس التمجيد، نحن في ورشة وعلينا أن نبدي آراءنا الموضوعية بما يحفظ للجميع حقهم، أما ما لمسته مؤخرًا فلن يقدم شيئًا للقصة ولا لكُتّابها. ظاهرة عامة ويقول القاص حسين الملاك: غياب النقد الموضوعي ظاهرة عامة والمبدع بحاجة ماسة للنقد ليتطور ويستمر، بالنسبة للجوائز الوهمية والشهادات التي لا تمثل قيمة فهي ظاهرة متفشية وأعتقد أن المبدع لن يهتم بتحقيف جائزة أو فوز من مجاهيل الثقافة. ناقد قاسٍ ويقفز الناقد عبدالواحد اليحيائي إلى عرض الحل بقوله: لعل الحل في قراءة أخيرة للنص تستكشف هل المكتوب قصة أو نص من نوع أدبي مختلف، لكن هنا قد نقع في إشكالية أخرى وهي تحول المبدع لناقد قاس لإبداعه فيُفسِدُ من كتابته أكثر مما يصلح. مكاشفة شفافة ويرى الناقد محمد مدخلي أن العتب الكبير يطال ثلاثة أرباع الأعضاء، وخصوصًا كبار كتاب القصة ومن لهم باع طويل في الساحة القصصية؛ وسبب العتب هو صمتهم وعدم تفاعلهم مع النصوص القصصية للأعضاء إلا ما ندر.. فالعضو عندما يشاركنا بنصه هنا يريد منا الإشادة به إن كان يستحق، وإبراز الجانب المشرق فيه، ونقده البناء الهادف المباشر إن لزم الأمر، بمثل هذا المسلك ترتقي الذائقة القصصية للأعضاء، ولن نرتقي إلا بالمكاشفة الشفافة الصادقة للحرف. منهجية مدروسة ويرى القاص عبدالقادر سفر أن «النقد عملية ليست بالسهلة ولا يمتلك أدواتها إلا من درس وسبر أغوار بحرها وألمّ بضروبه»، مضيفًا: النقد ليس ثناء عاطرًا ولا تجريحًا أو انتقاصًا؛ بل هو استجلاء جماليات النص الأدبي والكشف عن هناته بطريقة منهجية مدروسة ومبنية على أسس علمية يتفق عليها أغلب النقاد وتظل هناك رؤى تختلف باختلاف المدارس النقدية والمشارب الأدبية لكل منا وهي ما نسميه قراءات أو تعليقات.