شارك نحو 70 رئيس دولة وحكومة في باريس أمس الأحد في مراسم إحياء مئوية توقيع الهدنة التي أنهت الحرب العالمية الأولى، في تجمع خارج عن المألوف ووسط اجراءات أمنية مشددة، فيما حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتهاز فرصة تنظيمه لهذا الحدث الضخم للتأكيد على التعددية في العلاقات الدولية. ومن بين الحضور من الرؤساء الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والعاهل المغربي محمد السادس ورئيس الوزراء الكندي جوستن ترودو ونظيره الاسرائيلي بنيامين نتانياهو. وبعدما استقبلهم الرئيس الفرنسي أولا في قصر الاليزيه، وصل عشرات القادة نحو الساعة العاشرة بتوقيت غرينتش الى قوس النصر الذي يشرف على جادة الشانزيليزيه الشهيرة والذي أقيم تحته قبر الجندي المجهول وشعلة لا تنطفىء للتذكير بحجم هذا النزاع الذي أودى بحياة 18 مليون شخص. وبعد مراسم عسكرية، اجتمع الحشد تحت قوس النصر.وتحدث الرئيس الفرنسي في هذا التجمع عن الماضي، وانتهز الفرصة معلنا رسالته السياسية المؤيدة للتعددية في الحكم الدولي، والتي تشاركه فيها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الكندي جاستن تورودو، بينما تبدو دول عدة تميل إلى الابتعاد عن ذلك وعلى رأسها أكبر قوة في العالم -- الولاياتالمتحدة. وقال مصدر في الرئاسة الفرنسية: إن المطلوب هو أن يلتقي تاريخ 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918 مع 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2018» معتبرًا أن إحياء الذكرى يجب أن يكون له معنى اليوم. معاهدة فرساي.. أوهام المنتصرين وعواقب استهداف ألمانيا يلخص المفهوم الفرنسي في معاهدة فرساي بأن ألمانيا ستدفع الثمن أوهام المنتصرين في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى، متجاهلاً الانهيار السياسي والاقتصادي والمعنوي في قارة مارست هيمنتها على العالم طوال قرون. كانت شعوب أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى منهكة ادمتها المعارك، وبدأ الإغراء الثوري المستوحى من المثال الروسي ينتشر عام 1919 خصوصا في ألمانيا والمجر. لكن هذه المحاولات قمعت بشدة، وكذلك الإضرابات في فرنساوإيطاليا. - أرض خصبة للشمولية - لكن في المدى المنظور فإن معاهدة فرساي التي وقعت في 28 حزيران/يونيو 1919 كانت محفوفة بالعواقب من خلال استهداف ألمانيا أخلاقياً واقتصادياً. وقد حدد مؤتمر لندن عام 1921 مبلغ 132 مليار مارك من الذهب حجم «التعويضات» المستحقة للحلفاء، وبشكل رئيس فرنسا. وندد الألمان بما وصفوه بأنه «إملاءات» واكتشفوا أنهم غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم. وبغية إجبارهم على القيام بذلك، احتلت القوات الفرنسية منطقة الرور عام 1923 فانزلقت المانيا إلى مزيد من الفوضى الاقتصادية والتضخم المفرط وعم الاستياء والحقد بشكل واسع. في غضون ذلك، سيجد أحد المحرضين واسمه أدولف هتلر ارضا خصبة للتحرك للوصول الى السلطة بعد عشر سنوات، قبل أن يدفع أوروبا مرة اخرى الى الوقوع في النار والدم. على الجانب الآخر من جبال الألب، يقود الفاشي بينيتو موسوليني إيطاليا باتجاه نفس الأحلام القاتلة من الثأر والعظمة. وخلافا لذلك، كانت الحرب ونتائجها رسخت في فرنساوبريطانيا تيارا سلميا من شأنه أن يفسر شلل الديمقراطيات الأوروبية بمواجهة هتلر. الأيام الأخيرة والرقم «11» في الساعة الحادية عشرة من اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر من العام 1918، أطلقت آلاف الأبواق ايذانا بوقف إطلاق النار في الحرب العالمية الأولى. مطلع تشرين الثاني/نوفمبر 1918، انكفأت قوات الامبراطور غليوم الثاني دي هوهنتسولرن على كل الجبهات. ومن الرابع من تشرين الأول/اكتوبر، أبرق المستشار الألماني الأمير ماكس فون بادن، إلى الرئيس الأمريكي وودرو ويسلون ليؤكد أن بلده مستعد لبدء مفاوضات. وردا على ذلك، طالب الحلفاء باستسلام وبرحيل الامبراطور. - استسلام الامبراطور - في 08 تشرين الثاني/نوفمبر، كان قطار فوش من مقر لقيادة الحلفاء في سينليس بفرنسا بانتظار وفد عسكري ألماني، استقبله الجنرال مكسيم ويغاند في عربته، وسألهم «هل تريدون الهدنة؟». وتلا الجنرال نص الشروط التي وضعها الحلفاء في اجتماع عقدوه في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر في فرساي. طلب الألمان توجيه رسالة إلى سبا في بلجيكا، حيث مقر قائد الجيش الماريشال بول فون هندنبروغ. وقد وصلت في 09 تشرين الثاني/نوفمبر وأعلن الامبراطور تنازله عن العرش وأعلنت الجمهورية الألمانية. ووصلت الموافقة على التوقيع في العاشر من الشهر نفسه إلى ريتوند. ليلة العاشر إلى الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر ناقش المندوبون الألمان المواد ال34 من اتفاقية الهدنة التي تليت بعد ذلك ثم ترجمت. وفي الساعة 05:20 من 11 تشرين الثاني/نوفمبر وقعت الهدنة لتدخل حيز التنفيذ عند الساعة 11:00. - احتفالات - في باريس أحيا مئات من المارة ذكرى الرئيس الفرنسي جورج كليمنصو الذي كان يسير في جادة سان جرمان ليتلقى في البرلمان تكريم مجلس النواب. وبذلك يكون أسدل الستار على الحرب العظمى الأولى، ولكن تلك الهدنة التى أنهت الحرب في الحادي عشر من نوفمبر 1918، لم تكن كافية لإيقاف أسباب النزاع في القارة الأوروبية والعالم، فبعد بما يقارب عقدين من الزمن اندلعت حرب كبرى أخرى أكثر شراسة، مات فيها أعداد أكبر من البشر، وعانى منها أعداد أكبر بالملايين. أكثر من سبعين بلدا شاركت في الحرب - معظمها كان تحت القوى الاستعمارية الست التي خاضت الحرب: بريطانياوفرنساوروسياوألمانيا والنمسا المجر والامبراطورية العثمانية. دولة فقط تمكنت من البقاء على الحياد طوال الحرب، معظمها في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشمالية. مليون جندي قاتلوا في الحرب: ملايين جندي فرنسي. مليون جندي من ألمانيا والنمسا المجر. ملايين جندي من بريطانيا بما في ذلك المستعمرات. مليون جندي من روسيا. ملايين جندي من إيطاليا. ملايين من الولاياتالمتحدة. ملايين عسكري قتلوا في الحرب وجرح 20 مليونا آخرون. ملايين أسير. - عشرات الملايين توفوا في نهاية الحرب بسبب وباء للانفلونزا. ملايين لاجىء في كل أوروبا ملايين أرملة. ملايين يتيم. كلفة الحرب أكبر بثلاث أو اربع مرات من إجمالي الناتج الداخلي للدول الأوروبية التي خرجت مدمرة من النزاع.