وأنا خارج الوطن، يهفو قلبي لأفراحه، أُتابع الاستعدادات والاحتفالات في المملكة، في كل مدينةٍ وقرية، هذا ما كُنَّا نحلم به، عندما أتذكَّر كتاباتنا ومطالباتنا، وقلوبنا التي كانت تهفو حبًّا للوطن، كان الصمت والمنع أكبر من طاقتها على حجز كل دفق الحب بين جوانحها، كانت تسعى لإخراج طاقه الولاء والانتماء في احتفالية تليق بتاريخ وطن ظل في نموٍ وتقدم منذ تأسيسه. هذه طبيعة الإنسان حتى في لحظات الفرح، تستدعي الذاكرة الماضي، تقوم باستعراض الفرق بين كبت مشاعر الفرح، التي كانت تحرم حتى الحق في تجديد المواطنة، وبين مظاهر الاحتفاء التي تصبح أكثر تنظيماً وشمولية كل عام، لتغطي كل المساحات بالبهجة، وتستوعب طاقة الشباب المتفجِّرة بالحب والولاء، الشباب الذي يُمثِّل أغلبية الشعب السعودي، والأطفال الذين يسمعون ملحمة التأسيس كل عام، ويحتفلون وسط مباهج الاحتفاء بالوطن، سيُدركون مبكراً مكانة الوطن الذي يعيشون على أرضه، ويتمتعون بخيرهِ، سيُدركون مبكراً أن هذا الوطن متجذر في ذاكرة التاريخ، قيض الله له مَن يقوم ببنائه، ويخدم حرميه الشريفين، حتى أصبح المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، بهذه الضخامة والفخامة، وأصبح كل من يأتي إليهما مبهور الأنفاس بما يشاهد، وكأنه في حلم لا يفيق منه إلا بعد عودته لوطنه، يقص مشاهداته وخبراته منذ حطت أقدامه أرض الوطن. لا تعارض بين تطلعات أجيالنا الجديدة والتمسك بدعائمنا الأساسية التي تأسَّس عليها الوطن، ليستمر هذا التلاحم بين القيادة والشعب، فلا أجمل من هذه العلاقة الفريدة بين مليكٍ وشعبٍ بشيبهِ وشبابهِ! علاقة كأنشودة أو تراتيل مقدَّسة ليست فقط على الشفاه، ولكنها حُفظت في وعي كل مَن يرقب حركة التقدم والحراك الاجتماعي والثقافي في السعودية، أنشطة فنية وفعاليات احتفالية، تضخ الفرح في كل مكان، تُعيد سرد الماضي بأساليب وتقنيات الحاضر في تناغم وتكامل، كذلك يحق للمواطن أن يحتفي بوطن أزال عنه كل المنغصات التي كانت تعيق استرسال حياته، يأتي هذا العام والمرأة السعودية لم يبقَ لها سوى رفع الولاية، لكنها في كل المجالات تُعامَل على حدٍّ سواء، ويأتي قرار جامعة نورة فتح بوابات الجامعة تقديراً واحتراماً لقدرة طالباتها على اختيار الحرية الواعية، وكم طالبنا بفتح الأبواب للطالبات، المنع مُحرِّض على التمرد والخطأ، لكن الثقة محفِّزة على حُسن الاختيار، وتقدير الذات المُقدَّرة من الهيئات والمؤسسات. القرار جاء متناغما مع رؤية 2030 ومع تطلعات محمد بن سلمان، ليس فقط لمستقبل وطن، بل لمستقبل المواطن، لأنه يجني ثمار جودة الحياة الآن وغداً، وفي المستقبل القريب والبعيد، أي مستقبل أبنائه وأحفاده، قرارات مهمة على مستوى حماية الأسرة والطفل والمرأة، تمكين المرأة، كل هذه تستحق هذا الاحتفاء بيوم الوطن. لا زالت بعض المؤسسات، التعليمية منها والحكومية، لم تستوعب المعنى العميق للاحتفالية بالوطن، لا تُدرك معنى الاحتفالية، التي لا تعني لبس اللون الأخضر أو حمل الأعلام، أو إحضار تورتة عليها العلم، لأن هذه الأمور هي الأسهل، وتُكلِّف بها الطلبة والطالبات، وبالتالي تُرهق أولياء أمورهم، بينما يفرغ الاحتفاء من المعنى الوطني والتاريخي ليوم الوطن، كم مرَّة كتبتُ، لكن للأسف لا زال الوضع كما هو، لم تُطوَّر إمكانياتهم ولا فكرتهم عن اليوم الوطني. الروح الوطنية، والعلاقة الحميمية بين القيادة والشعب، تستحقان بذل مزيد من الجهد من كل مؤسسات المجتمع للحفاظ على نبضهما عالياً، الآن وغداً، فالاحتفاء بالوطن ترسيخٌ للوحدة الوطنية، وتعزيزٌ لهذا التلاحم بين القيادة والشعب على مر الزمن. أُشاطر الوطن الفرح بيوم ميلاده، شامخاً أبيًّا، مُتواصل الصعود بثباتٍ وصمود، دام عزك يا وطن.