أجزم أننا لو جمعنا المقالات والمطالبات التي بثها مواطنو محافظة العُرْضِيَّات -أقصى جنوب منطقة مكةالمكرمة- بخصوص حاجتهم لكلية جامعية لأمكننا أن نجعل منها سِفْرًا ضخمًا يشهد على معاناةٍ استمرت عقودًا من الزمن، ودليلاً على آمالٍ يذروها تجاهل الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة التعليم وجامعة أم القرى. كلنا يعلم الوعد الذي قطعته جامعة أم القرى على نفسها أمام نائب أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير عبدالله بن بندر أثناء زيارته للعرضيات منتصف العام الدراسي المنصرم حينما وعدت بافتتاح كلية جامعية في العرضيات مطلع العام الدراسي الحالي (1440/1439ه)، وكلنا يعلم أن لجنةً من الجامعة وقفت على المباني التي تقدم بها أصحابها لتكون مقرًّا للكلية الجامعية المنتظَرة، في الوقت نفسه كلنا (يجهل) الأسباب التي أدت لذوبان الوعد وإطباق الصمت على مسؤولي الجامعة. هنا أقول: إن كان السبب ماليًّا فليست الجامعة مطالبة ببناء (مدينة جامعية) حاليًّا وإنما مجرد (استئجار) مبنيين، وإن كان الأمر يتعلق -كما يُقال- بتردد الجامعة تحسبًا لانضمام محافظة العرضيات -كما يُشاع- لمنطقة الباحة فإن التكلفة المالية لن تتعدى إيجار سنة واحدة، وليست هناك من أصول ثابتة ضخمة قد تأسف الجامعة على تحويلها مستقبَلاً لجامعة أخرى. معاناة طلاب العرضيات وطالباتها تتمثل في موقعها الجغرافي (العجيب)؛ إذ تتوسط منطقتَي الباحة وعسير وتبعد -من منتصفها- عن الباحة (120) كم وعن أبها (200) كم وعن مكةالمكرمة التي تتبعها إداريًّا (430) كم. ونظرًا للمناطقية التي أصبحت تمارسها الجامعات المحلية فإنه -والحال هذه- أصبح مطلوبًا من طلاب العرضيات وطالباتها الذهاب لجامعات منطقتهم (أم القرى، الملك عبدالعزيز) أي قطع ما يزيد على (400) كم، ومع هذا ذهبوا فتبرأت منهم الجامعتان، واكتفت كل جامعة بطلاب (مدينتها)، وهو ما حذرتُ منه في مقال سابق بعنوان (جامعات تشرِّع للمناطقية) وهاهو يقع. وعلى هذا فطلاب العرضيات وطالباتها لاهُمْ بالمرغوبِين في جامعات منطقتهم، ولا هُم بالمرغوبِين في كلية العلوم والآداب بالمخواة التابعة لجامعة الباحة التي تبعد عنهم (70) كم ومثلها كلية الآداب والعلوم بالمجاردة، ولا هُم بالمرغوبِين في جامعة الباحة التي تبعد عنهم (120) كم، ولا هُم بالذين يستحقون كلية جامعية. أمامهم فقط الكلية الجامعية بالقنفذة التي تبعد عنهم (170) كم، في تجاهل تام لطول المسافة ومشقة الاغتراب وتقليص نسب القبول الحاصلة في أقسام الكلية حاليًّا، ولذا فطلاب العرضيات وطالباتها يعيشون وضعًا مأسويًّا وحالةً قلَّ مثيلُها. وبناء على (تردد جامعة أم القرى في الوفاء بوعدها) فإن الأمر يتطلب أن تكون العرضيات (استثناءً) بأن تُلزِم وزارةُ التعليم جامعتَي الباحة والملك خالد بمعاملة طلاب العرضيات وطالباتها معاملة طلاب الجامعتَين وطالباتهما، في الجامعتين وفي فروعهما كافة -بحُكم القرب- بعيدًا عن المناطقية، أو أن تسمح الجهات الإدارية لجامعَتي الباحة والملك خالد بفتح فروع لهما في محافظة العرضيات أُسوةً بفرعَي جامعتَي الملك سعود والإمام محمد بن سعود اللذين كانا في أبها ثم دُمجا في جامعة واحدة وسُمِّيا (جامعة الملك خالد)، وأسوةً بفرع جامعة الملك سعود (القائم حاليًّا) في جدة المسمى (الملك سعود الصحية) وغيرها، أو أن يُعَجَّل بضم العُرضيات إداريًّا لمنطقة الباحة -كون الوطن واحدًا- لتنتهي بهذا الإشكالات التي أحدثها موقعها الجغرافي، وكان حرمان طلابها وطالباتها من تعليمهم الجامعي مثالاً صارخًا على تلك الإشكالات المتزايدة.