عن النضج والسعادة.. والمال !!

أفضل خيار لقطع الوقت في الرحلات الجوية الطويلة هو أن تصطحب معك كتاباً مسلياً، أو أن تدعو الله أن يرزقك جليساً ذا قدرات بلاغية ومعرفية تهوّن عليك وعثاء الجلوس الإجباري!. في رحلة ليلية من عمّان الى لندن ساق الله لي رجل أعمال عربياً تبدو عليه علامات الاتزان ولباقة الحديث، وقبل أن يعرفني الرجل بنفسه يبدو أنه لاحظ عنوان الكتاب الذي في يدي وهو (سيرة ذاتية لوارن بافيت)، فسألني بابتسامة: هل تعتقد أن النجاح يقاس بمقدار المال الذي نملكه، أو بعدد الشركات التي نؤسسها؟!. لم ينتظر إجابتي بل أكمل وكأنه يرد على نفسه: لو سألت أغنى أثرياء العالم عما يعني النجاح لهم، فلن يذكروا المال ، بل لن يأتوا على ذكر الأرقام مطلقاً!.
.شدني أسلوب الرجل، فقلت وأنا أغلق الكتاب وأضعه في جيب المقعد؛ كي أشجعه على الاستمرار: «وهذا بالضبط ما قاله (وارن بافيت) هنا لأحد التلاميذ عندما سأله عن أكبر نجاح حققه: «عندما تصل الى عمري، ستقيس نجاحك بعدد الناس الذين يحبونك فعلاً، لا بمالك، فإن لم تجد حينها أحداً يفكر فيك، أو يذكرك بالخير، فلا يهم كم هي ثروتك، لأن حياتك في الواقع كانت كارثة»!.
. أضاف الرجل وكأنه يعرف بنفسه: «أعمل في بريطانيا منذ 32 عاماً، أصبت الكثير من الأموال، لكني اكتشفت مؤخراً أن النجاح لا يقاس بكم المال الذي تملكه، ولا بالمركز الذي تحصل عليه..النجاح الحقيقي يكمن في السعادة والرضا واستمتاعك بالعمل الذي تقوم به، مهما كان حجمه ومهما كان دخله».
. قلت وأنا أسير معه على نفس موجة التردد الفكري: كل إنسان موهوب بطريقة خاصة وفي الغالب كل يعمل فيما يحبه.. السعداء هم من يكسبون من هواياتهم مالاً أكثر من الآخرين. النجاح يا صديقي هو أن تستيقظ في الصباح وعلى وجهك ابتسامة رضا وتفاؤل بأن يومك سيكون رائعاً وخالياً من القلق كما تقول أوبرا وينفري: «مفتاح السعادة الأكبر يكمن في عدم القلق حيال النجاح، بل في العمل بجد.. عندها سيأتي النجاح حتماً». النجاح هو أن تحاول جعل العالم مكاناً أفضل وأن تشعر بأنك صنعت فارقاً في هذه الحياة ولو بمساعدة محتاج.. هكذا قال بيل غيتس.
. من لا يصل إلى النضج العقلي والعاطفي لن يصل إلى السعادة أبداً.. فالنضج واحد من أهم شروط السعادة ومتطلباتها لأنك حين تصل لهذه المرحلة ستدرك أنك كنت تقلق أكثر مما ينبغي.. وأن الله بلطفه وحكمته قد دبر أمورك بلطف وحكمة أفضل مما كنت ستفعل بكثير.
. ودَّعت صديقي الحكيم في المطار وفي خاطري تعنُّ مقولة «دوستويفسكي» : يوماً ما ستصل إلى النضج الذي يجعلك ترفض التورط بصداقة باردة أو جدال أحمق أو التعلق بالزائفين.