مع دخول شهر رمضان المبارك، تقام معه في ساحات الحرمين الشريفين موائد الرحمن، من ساعة قرب موعد الإفطار، حتَّى ساعة موعد الإمساك. موائد عامرة بكلِّ ما لذَّ وطاب، من مأكلٍ ومشرب وحلويات، وبكميَّات تزيد عن عدد قاصديها، من زوَّار ومقيمين ومتسوِّلين، الذين حكم عليهم الزمن بالحرمان من وجبة طعام متكاملة لضيق ذات اليد. ومع أنَّ تلك الموائد يقيمها الأثرياء الذين يرون في إشباع الجياع لذَّة، وتقرُّبًا من الله، وشكره على فضله وإحسانه، بأن جعل يدهم هي العليا، مقتدين بقوله تعالى في محكم التنزيل: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعَلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ). والحقُّ المعلوم، زكاة أموالهم التي ألزمهم الله جلَّ جلاله بها. إنَّه حقٌّ في أعناقهم للسائلين والمحرومين، ليُمكِّنهم من مجابهة تكاليف معيشتهم ومن يعولونهم.. وليس إشباع البطون في أيَّامٍ معدودات طوال الشهر المبارك! فغالبيَّة المحتاجين تعوَّدوا على لُقيمات يقيمون بها أودهم! وتنقصهم الدراهم لسدِّ احتياجات معيشتهم وذويهم طوال أيَّام السنة. مع تقدير دور الأربطة التي تُوفِّر المأوى للمحتاجين، ويقصدها أهل الخير لتقديم ما في وسعهم من مأكلٍ ومشرب وملبس، إلَّا أنَّها مع التوسُّع العمراني لازدياد عدد السكَّان والهجرة المتواصلة من البادية إلى المدن، وانتشار المساكن على مساحات متباعدة، لم تعد تلك الأربطة تفي بحاجات الأرامل والمتقدِّمات في السنِّ. ويلقى المحتاجون الذين قسا عليهم الزمن صعوبة في السكن داخل الأربطة، ومعظمها مساكن عفا عليها الزمن لقِدمهَا، وتآكل مرافقها الصحيَّة. فالثَّواب حقًّا والقرب من الله زلفى في تقديم (الحقِّ المعلوم) يكون في تبنِّي من أنعم الله عليهم بالرزق الوفير تشييد مساكن لائقة تؤوي المحتاجين والمحتاجات.. ولا شكَّ أنَّ فريضة الحقِّ المعلوم هي أجدى وأكثر منفعة للناس، وثوابًا من الله، من إقامة موائد الرحمن التي تُقام من قبل البعض «وجاهة»، ليس في ساحات الحرمين الشريفين فقط، بل في العديد من العواصم والمدن العربيَّة. المساكن التي تحفظ كرامة الإنسان، خير من الموائد التي تُشبع البطون.