يتعرّض كثيرون لما يُسمى اصطلاحاً «أزمة منتصف العمر»، وترتبط بشكل وثيق بأعراض الاكتئاب والشعور بالبؤس والتعاسة، وتصل ذروتها حول عمر الأربعين للنساء، والخمسين للرجال، لكنها قد تصيب بعضهم في عمر أقل تبعاً لعوامل نفسيةٍ واجتماعية مُتعددة. ومن ضمن العوامل المُساعدة على فرْط الشعور بالتوتر والإرهاق، عامل الاستنزاف الذي تمارسه كثير من المسؤوليات المهنية والاجتماعية، كرعاية الآباء المُسنّين، والأبناء الصغار، والمحافظة على الزواج ومسؤوليات الوظيفة، وضغط التفكير في تأمين المستقبل المهني والمادي والمعيشي، وبخاصة مع انتشار الشعور بعدم التقدير في المجتمع الوظيفي. كما يُعد الشعور بالوحدة وخاصة بعد فقد شخصٍ عزيز وبعد التقاعد، من أسباب إثارة أعراض الحزن والانعزال الاجتماعي، واتباع نمط حياةٍ خامل وغير صحي، يُعزز ظهور أزْمات نفسية ترتبط بفرط الندم على بعض الأخطاء القديمة والقرارات الحياتية غير الصائبة. إلا أن من العوامل المُساعدة التي قد لا ينتبه إليها كثيرون، عوامل صحية عضوية، كزيادة الوزن وتغيّر مظهر الجسم، وانخفاض مستوى فيتامين (ب 12) وفيتامين (دال)، واضطرابات الغدة الدرقية، وانخفاض مستوى هرمون الذكورة (تِستوستيرون)، وظهور أمراض الروماتيزم والمفاصل المسببة لآلام مزمنة، فضلاً عن اضطرابات النوم كمتلازمة انقطاع التنفس الانسدادي خلال النوم التي ترتفع نسبتها مع التقدّم في العمر، إضافة إلى الإصابة بأمراض القلب والشرايين التاجية. وبالنسبة للنساء، فيُعد اختلال الهرمونات الأُنثوية وبخاصة حول مرحلة انقطاع الطمث، من العوامل المرتبطة باضطرابات المزاج في مرحلة منتصف العمر، ناهيك عن ارتفاع نسبة متلازمة تململ الساقين والأرق المزمن لديهن وارتباطهما بالاكتئاب. ولعل من أكثر الأسباب المرتبطة باكتئاب منتصف العمر، اضطراب العلاقة الزوجية واختلال الصلة الحميمة بين الأزواج، وتغلغل الملل، واختلاف المفاهيم الفكرية والمستويات الثقافية وظهور مزيد من الخلافات بينهم مع التقدّم في العمر فضلاً عن تجارب الطلاق، مما يجعل من الضروري نشر ثقافة هذا النوع من الاضطراب الذي يصعب في كثير من الأحيان تجنبه، والعمل على الحفاظ على اللياقة البدنية بالرياضة، والذهنية بالقراءة والتواصل الصحي مع أفراد العائلة والمجتمع، والتغذية السليمة، والتحكّم في الأمراض العضوية، وتغيير نمط الحياة الرتيبة والعمل الروتيني، وحماية أوقات الراحة والنوم والرفاهية، إضافة إلى طلب المساعدة دون تحرّج من المختصّين النفسيين.