أعادني الحديث مع المؤرخ العراقي نبيل الحيدري، لمواجهة مشتركة أجريتها مع كل من المفكر السني الدكتور محمد سليم العوا، والمرجع الشيعي محمد علي تسخيري.. والحق أن العوا كان واضحًا تمامًا في إجاباته وطرحه، على عكس تسخيري، الذي كان كلامه يحتمل التأويل، مع ذلك لاقت المواجهة استحسانًا كبيرًا من المحبين للوحدة والتضامن الإسلامي، على أمل أن يحدث ما يوحي بفهم إيراني للأوضاع في المنطقة، وخطورة أن تكون عنصرًا مخصومًا وليس إضافيًا للأمة، وكان ما كان وتسارعت الأحداث التي كانت طهران طرفًا أساسيًا فيها حيث الكم الهائل من الأحقاد والأضغان، وحيث العبث المباشر في العراق وفي سوريا وفي لبنان.. ثم كان ما كان وحقنوا بالسم خناجرهم، وتحجمت الأحجام، وانكشف المستور، فقد جاء على اليمن الدور! في المقابل أو بالتوازي، مع أحلام قادة طهران الآن، المملوءة بالحقد وبالعدوان، ظهر سماسرة العربان، فحملوا شارات ورايات الخزي، وباتوا عبدان جاهزين لبيع العرض وحرق الأرض، وتغيير هوية وعروبة كل الأوطان. وسط هذا الكم المفجع والمتواصل من الحقد على العرب في إيران، زرعوا من زرعوا في لبنان، ثم في العراق، ثم في سوريا، وأخيرًا في اليمن! نقلت هذه الصورة للحيدري، وتطرقنا لموضوعات متعددة عن بدايات الانحراف، ومظاهر السب واللعن، والضرب بالسكاكين، وحقيقة الصراع وطبيعته، والهدف منه، وكان هذا الحوار: مساحة الأمل سألته في البداية عن مساحة الأمل في تقارب سني شيعي عربي منضبط؟! الآن يزداد الأمل في تقارب سني شيعي على أسس ومبادئ القرآن والعروبة حيث نرى بداية إفلاس المشروع الإيراني، واكتشاف المسلمين سنة وشيعة الخطر الإيراني، وما قدمته من مجازر ودماء ومليشيات أينما حلت؛ سواء في العراق أو سوريا أو لبنان وحتى اليمن، ماذا قدمت إيران إلى بلدي العراق سوى تصدير المليشيات والمخدرات والفساد والقتل اليومي، ولم تتصور إيران أن العراق بات مستنقعًا لها وترتفع الأصوات بالموت لخامنئي، وعندما دخل الشيعة العرب إلى قلب البرلمان كان شعارهم: «إيران برة برة، وبغداد تبقى حرة»، العراقيون قاتلوا الإيرانيين ثمان سنوات وقدم الشيعة العرب شهداء ضد الأطماع الفارسية وهم يفتخرون بشهدائهم. انفتاح المملكة العربية االسعودية وقيادتها الحكيمة لاسيما خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان على العراق أربك إيران وآذاها وأيضًا رفع الأصوات العربية ضد إيران وأعادها إلى الحضن العربي بقيادة المملكة. كذلك سوريا باتت مستنقعًا للإيرانيين وهم يعترفون اليوم رغم تقديمهم قتلاهم من قيادات الحرس الثوري مثل حسين همداني، لكن بات اللاعب الأكبر ليس إيران كما تعترف بل روسيا وأمريكا وتركيا، وكذا في لبنان واليمن ... اكتشف العرب التقية الإيرانية وعُرفت حقيقة الأطماع الفارسية كما في كتابي «الإمبراطورية الفارسية صعود وسقوط» المطبوع عند العبيكان وكتاب «إيران من الداخل» وانفتاح المملكة على العراق وغيره ... وإيران ضعيفة من الداخل كما رأينا في المظاهرات التي اجتاحت أكثر المدن الإيرانية.. فأنا متفائل جدًا بأننا نشهد بداية سقوط المشروع الإيرانية والنظام الإيراني وهو يشبه إلى حد كبير بداية سقوط الإمبراطورية الصفوية تاريخيًا. القواسم الحقيقية المشتركة قلت: سمعت من المرجع الشيعي محمد علي تسخيري في مكة وفي جدة كلاما، سرعان ما ذاب تمامًا فور عودته لطهران! وهنا أسالكم عن القواسم المشتركة الحقيقية؟ أما التسخيري فتعلمون أنه من أركان النظام الإيراني وهو يمثل ولي الفقيه وحزب الدعوة لذلك يستعمل التقية والتورية «التقية هي أحد الأركان العشرة للتشيع الفارسي» فلا يقول الحقيقة ومن هنا كان الحوار معه مجرد كلام كبقية شعارات الإير انيين من الوحدة الإسلامية ومحاربة الشيطان الأكبر وإسرائيل ونصرة المستضعفين وغيرها، وفي كتابي «التشيع العربي والتشيع الفارسي» المطبوع عند العبيكان والذي طبع حتى في بغداد وبيروت يثبت أن القواسم المشتركة بين السنة والشيعة هي الأكبر والأهم، كتاب الله وسنة رسوله وهذا ما كان عليه الخلفاء الراشدون الأربعة وحتى وصية الإمام علي بن أبي طالب فى نهج البلاغة هى فيهما «أوصيكم بكتاب الله وسنة رسوله» وليس عنده شيء آخر استأثره به رسول الله كما قال وثبت كما قال أولاده الكرام. وباعتبار التشيع أصله عربي فإن أئمة أهل البيت كلهم عرب أقحاح من بني هاشم وما كانوا عليه وأسميته ب»التشيع العربي» نظيفًا طاهرًا مسالمًا ينشر المحبة والخير والبناء لا ثقافة العدوان والكراهية والأحقاد الدخيلة من الفرس واليهود الذي أسميته ب»التشيع الفارسي. الصراع سياسي لا ديني سألته: هل هو بالفعل صراع ديني أو سياسي؟ أنا أعتقد أن الصراع سياسي بامتياز وليس دينيًا ولكنه استثمر فى الدين والمذهب ليخدع البسطاء ويخدّر عقول العوام بأكاذيب المظلومية والثارات والطقوس وحفظ المراقد والمذهب، والحقيقة أن الدين والمذهب منهم براء براءة الذئب من دم يوسف. إن حربهم ضد الدولة العثمانية هى جزء مهم من حربهم على الإسلام لأنهم يعتقدون بحضارتهم وتاريخهم وإذا بها تحطم على يد الإسلام وقيادة الخليفة الثاني فكان حقدهم على الإسلام كله، ويتجلى ذلك بمختلف تجلياته. عبدالله بن سبأ منذ متى بدأ هذا الانحراف؟! أنا أعتقد بأن بداية الانحراف في زمن الإمام علي بن أبي طالب من خلال ظواهر ثلاث منها عبدالله بن سبأ وما عرف في كتب الفرق عند الفريقين السنة والشيعة «الفرقة السبأية» حيث كان ابن سبأ أول من وضع الإمامة والعصمة والغلو في الإمام علي لكن الإمام تبرأ منه ورفضه بل وأمر بإحراقه كما في بعض الكتب التاريخية. أنا اعتقد أن التحالف اليهودي الفارسي منذ قديم التاريخ منذ عبدالله بن سبأ بل وقبلها، وإلى يومنا هذا مستمر قائم وأسميته في كتبي «التحالف الغادر» وهو أساس البلاء والمحن التي تمر بها أمتنا، ولو تعمقت في أهم المشكلات وكبريات البلوى فإنك تجد أصابع كليهما متحالفة وهما المستفيدان الحقيقيان من ذلك كله. مركز للدراسات أين تكمن المشكلة وكيف يمكن الوصول إلى حل أو على الأقل إلى فهم شامل؟! مشكلتنا طيبتنا ولم نفهم النظام الإيراني وخطر مؤامراته ومشروعاته حتى وصل إلى عقر دارنا وهو يفتخر بالهيمنة على عواصم عربية أربع بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء، وباعتبار الشعارات الإيرانية البراقة واستعمالهم التقية والكذب والتورية فقد خدعوا الكثيرين الذين حجوا إليهم يبايعونهم، ومن هنا طالبت بمركز دراسات في بريطانيا لدراسة ذلك كله فلابد من دراسة المشروع الإيراني من كل جوانبه ومن ثم ضرورة مواجهته كل باب بحسبه. من الطبيعي أن تكون لندن هي المركز لمثل هذا المشروع ونتمنى أن تكون هناك استجابة لذلك. خلاف مع طه حسين وأحمد أمين يحفل التاريخ بمبالغات عديدة عند الحديث عن أشخاص معينين.. ما رأيكم؟ وفيم تختلفون مع طه حسين وأحمد أمين؟ من الطبيعي فى التاريخ هناك مبالغات في الأشخاص والحوادث وهنا تكمن مهمة التحقيق والتهذيب للوصول إلى الصورة الصحيحة. أختلف كثيرًا مع طه حسين وأحمد أمين مثلاً مجرد الشك عندهما يجعل الأمر كله كذب وخرافة بينما التحقيق يثبت أن هناك مبالغة ولكن الشخصية حقيقية والواقعة حصلت. مثلاً قصة ابن سبأ بسبب المبالغة بدوره في التاريخ جعل طه حسين وأحمد أمين ينفيان وجوده، ولكني اعترفت بالمبالغة فى دوره ولكن لا يلزم من ذلك نفيه بالكلية حيث جميع المصادر القديمة الشيعية حتى الكتب الأربعة وكتاب فرق الشيعة في القرن الثالث الهجري للفقيه النوبختي وكذلك السنية أثبتت وجوده، ومن ثم بولغ في دوره، ولا تلازم بين المبالغة ونفي الوجود فعشرات الشخصيات بولغ في دورها وهى موجوده فعلا على أرض الواقع ولكن دورها أقل من المبالغ فيه. التربية الفارسية على السب واللعن! هل يمكن لهذا التقارب المأمول أن ينهي أو يخفف من مشكلات اجتماعية عديدة، تستفحل مع بروز منظومة السب واللعن؟! بلاشك أن التقارب السني الشيعي يساعد على الاحترام والتعايش بل أعتقد أكثر، حتى الزواج والمصاهرة بينهما، كما كان في العراق قبل 2003 والنفوذ الإيراني، فلاتوجد عائلة خالصة شيعية أم سنية بل تداخلت معها زواجًا ومصاهرة، وكذا في اليمن قبل هيمنة الإيرانيين على الحوثيين ولم يكن هناك لعن وسب للخلفاء الراشدين الثلاث وأزواج النبي أمهاتنا عائشة وحفصة حيث كان الزيديون يأخذون فقههم من السنة ويصلون خلفهم في المساجد وعرف عن زيد احترامه للخلفاء الراشدين، بعكس الإيرانيين منذ الصغر يربونهم على السب واللعن ويقيمون مراسيم لعن الخلفاء لاسيما فى شهر ربيع وما يسمونه «فرحة الزهراء» يوم قتل المجوسي أبو لؤلؤة للخليفة الثاني عمر بن الخطاب، كما أنهم وضعوا مزارًا كبيرًا للمجوسي يزورونه «السلام عليك يا ولي الله المنتقم من عدو الله»، وينذرون عنده ويتقربون عنده كهدف دينى عقائدي أساسي. ضرب الجسم بالسكاكين مأخوذ من مسيحيي أوروبا قلتم إن معظم ظواهر أو مظاهر التعصب الشيعي الفارسي مأخوذة من المسيحيين الأوروبيين.. كيف ومتى كان ذلك؟! نعم العديد من الطقوس الحسينية مأخوذة من المسيحيين في أوروبا حيث إن الشاه إسماعيل حيدر الصفوي الذي تحول من المذهب السني إلى المذهب الشيعي لهدف سياسي هو محاربة الدولة العثمانية السنية، وقام بمجازر تتجاوز المليون شخص من إيران التي كانت سنية لفرض المذهب الشيعي، وهنا وضع وزيرًا للشعائر الحسينية وأمره بالرحلة حول دول العالم لتكريس التشيع واستثماره وفي أوربا وجد المسيحيين يمارسون طقوسًا للمسيح مثل النعوش وضرب الجسم بالحديد والسكاكين فاستحسنها وأدخلت لأول مرة في التشيع، وهذا ثابت فى الكتب التحقيقية ومنها حتى الوثائق البريطانية وكتب المستشرقين المؤرخين للدولة الصفوية، وأكدها علماء إيرانيون ومنهم عالم الاجتماع الإيراني علي شريعتي (راجع كتابي «التنوير والإصلاح الاجتماعي بين العراق علي الوردي مثالاً، وإيران علي شريعتي مثالاً»). كاظمية العراق نموذجًا تحدثتم كذلك عن كاظمية العراق باعتبارها نموذجا للتعايش الذي يبعث على الأمل.. كيف؟ّ أنا نشأت في الكاظمية ببغداد التي كان فيها التعايش والتسامح والرموز العربية مثل علي الوردي عالم الاجتماع ومصطفى جواد عالم اللغة العربية، وفيها أشراف العرب وساداتها من أسر عريقة كالحيدري والخالصي والأعرجي وشبر وآل ياسين والصدر وكلها مرجعيات عربية أصيلة معروفة بالعروبة والإسلام والتعايش والتزاوج مع السنة دون أحقاد ولا تكفير ولا سباب ولا شتم. جدي السيد مهدى الحيدري من أهم المراجع العرب الذين كانت لهم المرجعية العليا والكلمة الفصل كما حققته الوثائق الغربية وعلي الوردي والمحقق أحمد الحسيني الذي ألف سلسلة أعلام الإمامية وثاني كتاب (الإمام الثائر مهدي الحيدري) الذي كان أول من تصدى للإنكليز عام 1914 وصعد المنصة في صحن الكاظمية وخطب في الحشود ثم نزل بنفسه يقاتل الإنكليز مع أولاده وأحفاده وقد ناهز الثمانين، والمراجع الآخرون بعثوا أبناءهم في خدمة الحيدري كما هو معروف، لكن التزوير الفارسي للتاريخ يذكر المراجع الفرس المتأخرين ولا يذكر العرب لاسيما الحيدري كما حققته في فصل كامل «مهدي الحيدري والشيعة العرب» من كتابي «التشيع العربي والتشيع الفارسي»، أنا عشت تلك الفترة الذهبية وعشت عمالقتها وشخصياتها كما عشت الجدل حولها، حيث أسس الإيرانيون مدرسة في الكاظمية وحاولوا نقل ثقافة الكراهية واللعن لكنهم لم ينجحوا في الكاظمية. وهناك فصل في الكتاب يتحث عن المصلحين العرب ويذكر أهم رموزهم في الكاظمية من بغداد التي سميت «مدينة السلام». بيني وبين شريعتي ماهي نقاط الاختلاف بينكم وبين المفكر علي شريعتي؟ أعتبر شريعتي من أهم رموز الإصلاح في إيران وله محاضرات رائعة في حسينية إرشاد جمعت من الكاسيت بعد وفاته وطبعت بكتاب «التشيع العلوي والتشيع الصفوي» وهو كتاب هام جدًا يقول فيه للإيرانيين: إن تشيعهم هو التشيع الصفوي المليء بالأحقاد والتكفير واللعن والسباب والطقوس والبدع والهرطقات ولا علاقة له بالإمام علي وأئمة أهل البيت، فهذا الاصطلاح الصفوي موجحود داخل التشيع وحتى داخل إيران لتمييزه عن التشيع الأصيل الذي أسماه «التشيع العلوي» وأسميته «التشيع العربي» لأن أهل البيت عرب بينما التشيع الفارسي عنصري ضد العرب ومنحاز للفرس تمامًا. الملاحظات علي شريعتي أولا أكثر كتبه هي محاضرات ثم أخذت من الكاسيت دون تحقيق فلا يوجد فيها مصادر ومراجع وكان شريعتي كما يصف نفسه ضعيفًا في الفقه والتاريخ والعقائد ويطلب من السامعين تصحيحها قبل نشرها لكنها لم تصحح، فهو عالم اجتماع إسلامي معتدل حاول دراسة انحراف التشيع، لكنه توهم كما توهم غيره من المستشرقين والإيرانيين بأن انحراف التشيع بدأ بالدولة الشاه إسماعيل حيدر الصفوي عام 1501 ولم يدرسوا ما قبلها، بينما الحقيقة أن الدولة الصفوية قد اعتمدت على ما قبلها لاسيما الدولة البويهية لما يقرب من خمسمئة عام وهي أهم بكثير حيث تأسست فيها الكتب الحديثية الفارسية المعتمدة لكل المراحل بعدها، وهي: الكافي للكليني ومن لا يحضره الفقيه للقمي وكتابا الاستبصار والتهذيب للطوسي، وكلهم فرس يؤمنون بثقافة الكراهية والسباب والطقوس والبدع ويغالون بالأئمة الى درجة الألوهية التي أسميتها «لاهوت الإمامة»،حتى مرجع الدولة الصفوية المجلسي مؤلف البحار، قد ألّف كتابًا مهمًا هو «مرآة العقول» وهو شرح لكتاب الكافي، حيث يعتبر الفقهاء الفرس الكافي كله صحيحًا عن المهدي المنتظر. بل ما قبل الصفوية درست زمن كل إمام حيث كانت تنسب له الأقوال والأحاديث من كذابين غلاة أسميتها «غلاة حول الأئمة» بل رجعت إلى فترة الإمام علي ودرست الظواهر الثلاث، الأولى في الإنحراف، كما أني درست ما بعد الصفوية إلى يومنا الحالي التي أسميتها «الخمينية» حيث جاء خميني ببدعة ولاية الفقيه التي لاتوجد في تاريخ التشيع من بدعة يأخذ صلاحيات المهدية المنتظر لنفسه ومآسي ولاية الفقيه على الأمة العربية والإسلامية كما نشهدها من جرائم ومجازر ومليشيات وصواريخ ومخدرات وغيرها. الحرب العراقيةالإيرانية والأطماع الفارسية قلت له أخيرًا.. بعيدًا عن أطروحات البعث والخطأ الكارثي لصدام حسين في احتلال الكويت، هل يمكن القول بصحة ما ذهب إليه من تحذير للعرب من أطماع الإمبراطورية الفارسية المزعومة؟ بعيدًا عن ذلك نعم كان تحذير العراق من الخطر الإيراني وكانت الحرب دفاعًا عن الأمة العربية وحينها لم تجرأ إيران على الاحتلال والهيمنة على العواصم العربية.