أجمع مفكرون ومختصون وخبراء أمنيون على أن الأمن الفكري هو أن يعيش المجتمع مطمئنًّا على مكونات أصالته، وثقافته النوعية ومنظومته الفكرية، في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة أو الأجنبية المشبوهة، وحماية المكتسبات، والوقوف بحزم ضد كل ما يؤدي إلى الإخلال بالأمن. وقالوا: إن تنمية مهارات الاستنباط والتعليل والنقد والتحليل وبيان علاقتهما بالنصوص الشرعية يُسهم في تعزيز الأمن الفكري، كما أن القرآن الكريم والسنة النبوية يحتويان على منهج تربوي عظيم يعتني بتربية العبد المسلم؛ لما يحقق سعادته واستقراره في الدنيا والآخرة. وأكدوا أن للأسرة المسلمة دورًا في تنمية الشعور بالانتماء الوطني، وتربية الفرد على استشعار ما للوطن من أفضالٍ، والحرص على مد جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن في أي مكانٍ منه؛ لإيجاد جوٍّ من التآلف والتآخي والتآزر بين أعضائه الذين يمثلون في مجموعهم جسدًا واحدًا، وغرس حب الانتماء الإيجابي للوطن. «المدينة» طرحت قضية الأمن الفكري على طاولة النقاش بين عدد من المفكرين والمثقفين والمختصين؛ للتعرف على أبعاده وكيفية الحفاظ عليه. المنيع: الأمن والتآلف مسؤولية المسلمين كافة يقول الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء: إن حماية الأمن الفكري للمجتمع مسؤولية كبيرة على الجميع، من علماء ودعاة ومؤسسات تربوية وتعليمية والأسرة والمجتمع، ونحن معشر المسلمين أمامنا مؤسستان؛ الأولي شعبية وهي رابطة العالم الإسلامي، ومؤسسة رسمية وهي منظمة التعاون الإسلامي، هاتان المؤسستان عليهما مسؤولية عظيمة في توجيه الأمة، وبذل النصح والتحرك نحو النظر فيما يمكن أن يكون علاجًا لهذه المشكلات المتأزمة، ولهذه المشكلات الموجبة إهدار الدماء، وانتهاك الحقوق المتعلقة بالدماء، والحقوق المالية والأعراض والعقول، وانتهاك كل الأعراف الإنسانية، فنحن يجب علينا معشر المسلمين أن نستشعر وأن يكون لدينا العمل الإيجابي؛ ما يرأب الصدع ويكون سببًا من أسباب توحيد الكلمة، ونشر روح التآلف والتراحم والتعاون بين المسلمين، ونحن نستغرب أن الاتحاد الأوروبي قرابة عشرين دولة وشرائح المجتمع مختلفة الأديان ولكنها مجتمعة فيما بينها، فيما يتعلق بالعمل على تحقيق أمنها واستقرارها، وجميع ما يتعلق بشؤونها الاجتماعية والاقتصادية، ونحن الآن معشر المسلمين كلنا يقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابي هو القرآن الكريم، وقبلتنا الكعبة المشرفة، ومع ذلك لدينا من الخلاف والشر والقتال والتنافر الشيء الكثير، فنأمل أن يكون من هاتين المؤسستين رابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي، نشاط يجمع الكلمة، ويحمي الأمن الفكري للمجتمع. السديس: تقدم الأمم مرهون بسلامة عقول أفرادها يؤكد الشيخ الدكتورعبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، إمام وخطيب المسجد الحرام- أن عنوان تقدُّم الأمَمِ وفَخارِها ومبعَث أمنِها وأمانها واستقرارِها مرهونٌ بسلامة عقولِ أفرادها، ونزاهةِ أفكار أبنائِها، ومدَى ارتباطهم بمكوِّنات أصالتِهم، وثوابتِ حضارتهم، وانتظامِ منظومتها العقديّة والفكريّةَ ونوعيّتَها الثقافيّة والقِيَميّة. ومن محاسنِ شريعتِنا الغرّاء أنها جاءت بحفظِ العقول والأفكار، وجعلت ذلك إحدَى الضرورات الخمس التي قصدَت إليها في تحقيقِ مصالح العباد في أمورِ المعاش والمعاد، كما جاءت بحِفظ الأمنِ للأفرادِ والمجتمع والأمّة. وقال السديس: بالرغم من أنَّ الأمنَ بمفهومِه الشامل مطلَبٌ رئيس لكلِّ أمّة؛ إذ هو ركيزَة استقرارِها، وأساسُ أمانها واطمئنانها، فإنَّ هناك نوعًا يُعد أهمَّ أنواعِه وأخطرَها، فهو بمثابةِ الرأس من الجسَد؛ لِما له من الصِّلة الوثيقةِ بهويّة الأمّة وشخصيّتِها الحضارية؛ حيث لا غِنى لها عنه. وأشار السديس إلى أنّ الأمنَ الفكريَّ لدى هذه الأمّةِ يعني أن يعيشَ أهل الإسلام في مجتمَعِهم آمنين مطمئنِّين على مكوِّنات شخصيّتِهم، وتميُّز ثقافتِهم، ومنظومَتِهم الفكريّة المنبثقةِ من الكتاب والسنة، وتأتي أهمّيتُه من كونه يستمِدّ جذورَه من عقيدة الأمة ومسلَّماتها، ويحدِّد هويَّتَها، ويحقِّق ذاتِيَتها، ويراعي مميِّزاتها وخصائصَها، وذلك بتحقيقِ التّلاحُم والوَحدة في الفكرِ والمنهج والسّلوك والهدف والغاية. أضِف إلى ذلك أنَّ الخللَ في الأمنِ الفكريّ طريقٌ إلى الخللِ في الجانب السلوكيّ والاجتماعيّ، وما سلكَت فئامٌ في الأمّة مسالِكَ العنفِ والإرهاب والقتلِ والإرعاب والتدمير والتفجير، إلاَّ لما تشبَّعت أفكارُها وغسِلَت أدمِغتها بما يسوِّغ لها تنفيذَ قناعاتها وتحسينَ تصرّفاتها، وذلك راجعٌ إلى رصيدٍ فكريّ ومخزون ثقافيّ أفرَزَ عملًا إجراميًّا وسلوكًا عدوانيًّا. المنشاوي: الأمن الفكري أن يطمئن المجتمع على مكوناته الثقافية يشير المستشار الأمني العميد محمد بن عبدالله المنشاوي إلى أن النظرية الأمنية لم تعد قاصرة، أو أحادية الجانب، بل تطورت تبعًا لتطور المجتمعات، فنادى المفكرون والمختصون بنظرية الأمن الشامل أو متعدد الجوانب، فأصبح الأمن أشمل تصورًا، فهناك الأمن الفكري، والاجتماعي، والاقتصادي، والغذائي، والمائي، والسياسي.. إلخ، فكل ما يمس أمن المواطن وراحته واستقراره يدخل ضمن المنظومة الأمنية. وأضاف المنشاوي أن تطور النظرية الأمنية استلزم بالضرورة تطور المسؤولية، فلم تعد الأجهزة الأمنية وحدها هي المسؤولة عن الحفاظ على أمن ومكتسبات الدولة، وإن كان يقع عليها الجزء الأكبر من المسؤولية، فأصبحت جميع أجهزة الدولة الرسمية والمدنية، بل أصبح كل مواطن ومقيم مسؤولًا ضمن هذه المنظومة الشاملة في المسؤولية. ولعل ديننا الحنيف قد أيد بل سبق النظريات الحديثة في ترسيخ هذه المسؤولية، فحديث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وضح بشكل جلي أن الجميع مسؤول، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته. هذا من ناحية المفهوم العام للأمن، أما من ناحية مفهوم الأمن الفكري باختصار شديد هو أن يعيش المواطنون في حالة سلام مجتمعي مطمئن على مكونات أصالته في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة أو الأجنبية المشبوهة، وحماية المكتسبات والوقوف بحزم ضد كل ما يؤدي إلى الإخلال بالأمن. الأحمدي: الأمن الفكري يتحقق معه مفهوم الأمن الشامل يوضح الدكتور عبدالله بن عطية الله الأحمدي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز فرع رابغ- أن تنمية مهارات الاستنباط والتعليل والنقد والتحليل وبيان علاقتهما بالنصوص الشرعية، يُسهم في تعزيز الأمن الفكري، والقرآن الكريم والسنة النبوية يحتويان على منهج تربوي عظيم يعتني بتربية المسلم لما يحقق سعادته واستقراره في الدنيا والآخرة، والآيات والأحاديث المتعلقة بالحسبة تحتوي على دلالات تربوية مستنبطة منها، تُسهم بشكل عملي في تعزيز الأمن الفكري. وقال الأحمدي: لا شك أن الأمن الفكري في غاية الأهمية، وهو بوابة الأمن لجميع جوانب الحياة، ويتحقق معه الأمن الداخلي والخارجي والاقتصادي والسياسي. وأضاف الأحمدي أن الأمن بجميع أنواعه والأمن الفكري خاصةً، من المطالب الأساسية التي جاء بها الإسلام لتحقيقها في المجتمعات الإنسانية، والأمن الفكري يعتبر بمثابة الرأس من الجسد مع باقي أنواع الأمن؛ إذ بتحقيقه وتعزيزه تسلم باقي أنواع الأمن، وباختلاله تختل، وعلى جميع المؤسسات التربوية أن تقوم بالدور الهام الذي ينبغي أن تؤديه لكي يعزز الأمن الفكري. وأشار الأحمدي إلى أن الأمن الفكري له أهمية عالية في التربية الإسلامية؛ لأنه محصلة ونتيجة لجهود تربوية شاملة ومتوازنة، فهو معيار لقياس مدى نجاح تلك الجهود التربوية المتضافرة، ولما له من آثار إيجابية متعددة الجوانب ومختلفة الأبعاد، فهو يُسهم في حفظ الضرورات الخمس؛ مما يعني أنه بوابة الأمن، وكسر هذا الباب يفتح أبوابًا من الشر لا حصرَ لها. العُمري: الوسطية والاعتدال من أهم وسائل تحقيق الأمن الفكري يقول مدير أكاديمية الحوار بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، إسماعيل بن منسي العُمري: إن الأمن الفكري مسؤولية جميع أبناء المجتمع، أفرادًا ومسؤولين، ومؤسسات حكومية أو أهلية، وهو هدف ينشد كل مجتمع أن يحصل عليها؛ ولا يمكن أن يُنال إلا بتعاضد جميع أفراد المجتمع، كلّ واحد حسب مهماته الوظيفية. والأمن الفكري يعني حماية عقل الإنسان وفكره ومبتكراته ومعارفه ومنتجاته ووجهات نظره وحرية رأيه من أي مؤثر، سواء من قبل الشخص نفسه، أو من قبل الغير. وأضاف العمري: من أهم الوسائل المساعدة على تحقيق الأمن الفكري هي: الخطاب الديني الرشيد الذي يتسم بالوسطية ويخلو من التطرف والغلو، وينطلق من المقاصد التي تدعو إلى حقوق الإنسان في الحياة والأمن والمساواة والكرامة وحرية المعتقد. والعناية بالمناهج المدرسية التي تغرس في الناشئة قيم الانتماء للوطن والمواطنة الصالحة والتعايش والتعاون مع الآخر، وتقبله من أجل إعمار الحياة بالتقدم والازدهار. البركاتي: سلامة الفكر من الانحرافات مسؤولية المجتمع يعرّف مدير إدارة الأمن الفكري بالمسجد الحرام، الشيخ إبراهيم بن عبدالمجيد البركاتي- الأمن الفكري بمفهومه العام بأنه يعني سلامة الفكر من الانحرافات العقدية والسلوكية والمنهجية، وحمايته من الغلو في الدين والتطرف فيه، ومن الجفاء والانحلال، والأمن الفكري مسؤولية مجتمعية تبدأ من الأسرة، وتمتد إلى المجتمعات والمؤسسات الحكومية والصروح التعليمية والجمعيات المجتمعية، كما صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». ويتحقق الأمن الفكري بنشر العلم الشرعي في المجتمعات، ورفع الجهل، وتعزيز منهج الوسطية والاعتدال، وغرس القيم الإسلامية، والانتماء الديني والوطني، المبني على الفهم الصحيح لنصوص الوحيين الآمرة بالاعتصام بحبل الله، ونبذ التفرقة. العبدلي: الإخلال بالأمن الفكري يؤدي إلى تفرق الأمة يشير الشيخ على بن سالم العبدلي، مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمنطقة مكةالمكرمة، إلى أن الأمن الفكري أحد مكونات الأمن بصفة عامة، بل هو أهمها وأسماها وأساس وجودها واستمرارها، والأمن هو النعمة التي لا يمكن أن تستقيم الحياة بغيرها. وأضاف العبدلي أن الإخلال بالأمن الفكري يؤدي إلى تفرق الأمة، وتشرذمها شيعًا وأحزابًا، وتتنافر قلوب أبنائها، ويجعل بأسهم بينهم، فتذهب ريح الأمة، ويتشتت شملها، وتختلف كلمتها. وما تعيشه الأمة اليوم بسبب انحراف فكر بعض أبنائها من تكفير، وتفجير، وشدة اختلاف، يشي بخطورة الاختلاف بدافع عقدي. ويمكن تحقيق الأمن الفكري من خلال- تضمين مناهج التربية والتعليم المنهج الإسلامي في التفكير والاستنباط والعناية بتدريس العقيدة الإسلامية، وفق منهج السلف الصالح، ونشر العلم الشرعي المستقى من الكتاب والسنَّة بفهم السلف الصالح في المجتمع، مع البعد عن كثرة الاختلاف وأسبابه، وتشجيع أهل العلم الشرعي الصحيح، والمنهج الحق على القيام بالدور المنشود منهم، وحماية المجتمع من مصادر الفكر المنحرف، سواء أكان ذلك في جانب الإفراط أو التفريط. وقال العبدلي: للمنابر دور بارز في تعزيز هذا المفهوم، انطلاقًا من مكانة المنبر التوجيهية، والوزارة تعقد دورات متخصصة لخطبائها وأئمة مساجدها في ذلك دوريًّا. أصحاب الفكر المنحرف يتسمون بالخلل وحول كيفية وقاية المجتمع من الانحراف الفكري شددت الدكتورة عفاف الهاشمي على الاهتمام بالعلوم الشرعية، وقالت: إن المفارقين والمتحزبين الغلاة والمتطرفين أصحاب الفكر المنحرف يتسمون بالخلل؛ حيث إنهم تتلمذوا على من لا علم عنده، أو على أنفسهم، فلا يقتدون ولا يهتدون بما عليه الراسخون، بل يقدحون فيهم، ويلمزونهم، وانساقوا مع أهوائهم، فحرَّموا العلم النافع المتُلقى من مشكاة النبوة وأنوار الرسالة، ووقعوا في ضروب من الضلال، والقول على الله بغير علم، فضلوا وأضلوا لاتباعهم الأصاغر والبعد عن الأكابر، واستكبارهم عن التعلم وطلب العلم من أهله؛ لذا تراهم حتى الساعة متقوقعين منعزلين، يعتمد بعضهم على بعض دون الرجوع إلى العلماء ورجال الحسبة، فينتشر فكر التبديع، والتكفير. وطالبت الدكتورة عفاف الهاشمي بالعمل على تماسك المنظمات الإسلامية، كمنظمة المؤتمر الإسلامي؛ للوقوف في وجه ازدواجية المعايير الغربية، والوقوف ضد فرض الواقع التي تفرضه بعض الدول القوية في التعامل مع بعض الدول في العالم الإسلامي، والعمل عبر جسر النخبة الفكرية والثقافية في العالم وخبراء القانون الدولي، وذلك عن طريق بيان الأخطار التي تهدد استقرار الأمة الإسلامية في حال انتشار الفكر المنحرف، وتدريس المواد التي يحتاجها العصر برؤية شرعية، مثل مادة فقه الأمن، وفقه الواقع، وفقه الجماعة، وتكاتف العلماء والفقهاء لتوحيد الجهود والفتاوى، واستغلال المنابر العلمية لتوحيد الأهداف والأعمال، وإن على العلماء والخطباء والدعاة والأسر والهيئات الشرعية وولاة الأمر ورجال الأمن والمثقفين والكُتَّاب- دورًا لجمع الشمل، وتوحيد الصف، وتأليف القلوب، والنصر على الأعداء. الشيعاني: الانتماء الوطني يعزز أمن المجتمعات يؤكد المستشار القانوني الدكتور محمد بن حسين الشيعاني، أن هناك دورًا للأسرة المسلمة في تنمية الشعور بالانتماء الوطني، وتربية الفرد على استشعار ما للوطن من أفضالٍ سابقةٍ ولاحقة عليه -بعد فضل الله- منذ نعومة أظفاره، ومن ثم تربيته على رد الجميل، ومجازاة الإحسان بالإحسان، والحرص على مد جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن في أي مكانٍ منه؛ لإيجاد جوٍّ من التآلف والتآخي والتآزر بين أعضائه الذين يمثلون في مجموعهم جسدًا واحدًا وغرس حب الانتماء الإيجابي للوطن، وتوضيح معنى ذلك الحب، وبيان كيفيته المُثلى من خلال مختلف المؤسسات التربوية في المجتمع كالبيت، والمدرسة، والمسجد.. إلخ، والعمل على أن تكون حياة الإنسان بخاصة والمجتمع بعامة كريمةً على أرض الوطن، ولا يُمكن تحقيق ذلك إلا عندما يُدرك كل فردٍ فيه ما عليه من الواجبات وتربية أبناء الوطن على تقدير خيرات الوطن ومعطياته والمحافظة على مرافقه ومُكتسباته التي من حق الجميع أن ينعُم بها، وأن يتمتع بحظه منها كاملًا غير منقوص والإسهام الفاعل والإيجابي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته، سواءٌ كان ذلك الإسهام قوليًّا أو عمليًّا أو فكريًّا، وفي أي مجالٍ أو ميدان؛ لأن ذلك واجب الجميع، والتصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلامة الوطن، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمُتاحة والدفاع عن الوطن عند الحاجة إلى ذلك بالقول أو العمل. الهاشمي: الغلاة والمتطرفون يتبعون الجهل والتكذيب ترى الدكتورة عفاف بنت حسن مختار الهاشمي أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الملك عبدالعزيز، أن الانحراف الفكري هو اتجاهات وسلوكيات عدوانية بالدرجة الأولى، تستهدف الأفراد والجماعات والمجتمعات، وهو فكر يؤدي إلى جرائم عنف تقع على الإنسان بأفعال تتصف بالشدة والقسوة؛ بغية إلحاق الأذى بنفسه أو بماله أو ذويه، ويؤدي إلى أفعال تقترن باعتداء على الإنسان أو على ممتلكاته لغايات متعددة، منها الحصول على المال أو الانتقام أو تحقيق أغراض سياسية، وهو تفكير يؤدي إلى أفعال التدمير والتخريب وإلحاق الأضرار والخسائر بالآخرين. وقالت الهاشمي: إن بعض أصحاب الفكر المنحرف والغلاة والمتطرفين والمكفَّرين يخوضون في المسائل العقدية، فيصبحون بين محرف لها أو منكر لها، والسبب هو جهلهم بالعقل والوحي فيحصل الشك والضلال والانحراف عن المنهج القويم، ويتبع ذلك التكذيب بمسائل عظيمة من أمور العقيدة، فجهلهم جعلهم يشعرون بالتعارض والتناقض بين العقل والنقل، وبفعلهم هذا وقعوا في الضلال بدلًا من الهدى، والظلام بدلًا من النور، والشك بدلًا من اليقين، والتكذيب بدلًا من التصديق، ومن أمثلة جهل بعض الغلاة والمتطرفين وأصحاب الفكر المنحرف بالوحي والعقل، ما نراه من تكفير الخارج عن جماعتهم. وقالت الهاشمي: إن أصحاب الفكر المنحرف يعتقدون أنفسهم أنهم على الخير، فيتمادون فيه، فيكفرون الحاكم والمحكوم، ويستحلون الدماء والقتل، ويكفرون الشخص المعين دون مراعاة الضوابط الشرعية في تكفيره، ويتحكمون في الأسماء والأحكام، مع أن هذه المسألة حق من حقوق الله -سبحانه وتعالى- فهو الذي يعلم المؤمن من الكافر، والصالح من الطالح، والحسن من القبيح، وما فعلوا كل ذلك إلا لاعتقادهم أنهم على الحق، فيتمادون فيقومون بعمليات الحرق والسطو على المحلات والهجوم على الأسواق، وخطف الطائرات ونسف المجمعات السكنية والكيانات العمرانية والمنشآت الصناعية والتجارية، مع استخدام القنابل والمركبات المدججة بالعبوات المتفجرة وتفخيخ الآلات المتعددة وكل ذلك وزيادة يقومون به؛ لاعتقادهم أنهم على الحق، وبذلك ينتشر الفكر المنحرف في المجتمع.