أجمع المشاركون من الدعاة في ندوة الأمن الفكري التي تم تنظيمها في فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاوف والدعوة والإرشاد في المنطقة الشرقية، على الحدود المشتركة بين الأمن الفكري كمنهج، والأمن الوطني كهوية وانتماء، وحذروا من آثار انعدامه التي تقود إلى التساهل في الحسبة والدعوة، وتوقف الحركة الاقتصادية والشرخ في القيم الاجتماعية، وطالبوا بضرورة توحيد المرجعية الدينية في الفتوى خاصة النوازل الجسام منها. وأكد رئيس محكمة الاستئناف في المنطقة الشرقية الشيخ عبدالرحمن الرقيب، في ورقته المقدمة إلى الندوة «أن على الخطباء دورا مهما في بيان موقف الإسلام من الإرهاب، والتكفير على ضوء مقاصد الإسلام العظمى، وترسيخ وسطية الإسلام في الفكر، الأخلاق، التعامل، التعريف بالأفكار الضالة، الآراء الهدامة المنحرفة، وتوضيح موقف الإسلام من القضايا المعاصرة والحوادث النازلة التي تهم المجتمع، ويكون الخطيب على علم ودراية بما سيتحدث عنه، والإسهام في تأصيل الانتماء وتحقيق المواطنة الصالحة وأهمية الأمن في المجتمع وما يمثله من نمو اقتصادي واجتماعي». وأوضح الرقيب، أن الأمن الفكري «هو أن يعيش المسلمون في بلادهم آمنين على مكونات أصالتهم، ثقافتهم النوعية، ومنظومتهم الفكرية المنبثقة من القرآن والسنة»، ولفت إلى أنه متى ما اطمأن المسلمون على خصائص ثقافتهم ومميزات فكرهم وأمنوا على ذلك من لوثات الفكر الدخيل وغوائل الثقافة المستوردة فقد تحقق لهم الأمن الفكري. ونبه إلى أن الأمن الفكري يقابله الانحراف الفكري وهو الخروج عن الحد الشرعي الذي ورد في القرآن أو السنة أو إجماع العلماء على حرمته، مثل الإلحاد، التكفير بغير علم، البغي، المحرمات، الابتداع، والتعصب، وغير ذلك من الشبهات والشهوات التي تثار بين الحين والآخر، مبينا أن مظاهر الأمن الفكري تتشكل في سلامة المنهج والالتزام بالوسطية والاستقرار النفسي وكمال الشخصية وسلامة العقل وحسن التعامل مع الآخرين والقدرة على التمييز بين الخير والشر. وشدد على أن العلاقة وثيقة بين الأمن الفكري والأمن الوطني حيث إن الأمن الفكري يشكل عمقا استراتيجيا للأمن الوطني فهو مرتبط بهوية الأمة وعقيدتها واستقرار قيمها، واعتبر الأمن الفكري محور الارتكاز بالنسبة لأمن الوطن إذ هو من الضروريات الأمنية لحماية المكتسبات والوقوف بحزم ضد كل ما من شأنه الإخلال بالأمن. وحمّل رئيس محكمة الاستئناف في المنطقة الشرقية الإعلام مسؤولية الخطر الذي يحدق بالمجتمع من خلال البرامج التلفزيونية الأجنبية التي تبرز الثقافة الأجنبية بألوانها المختلفة من إلحاد وتمرد شنيع على المنهج الإسلامي، ومن تصوير للأدب الإباحي المنفلت من كل قيد وحد في مشاهد ملؤها الفجور والتهتك والانسلاخ عن كافة القيم الأخلاقية. وفي الورقة الثانية، أكد عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الأحساء الدكتور سعود العقيل، أن الأمن يعد من الضروريات الخمس المتفق عليها في جميع الشرائع، وباضطرابه يختل الأمن، مشيرا إلى أن ما يقابل الأمن الفكري هو الخوف على الفكر والعقيدة الصحيحين والمبادئ الإسلامية، وهو أشد من الخوف على مجرد النفوس والأجساد، كما أن الخلل في الأمن الفكري يؤدي إلى خلل في الجانب السلوكي والاجتماعي، وشدد على أن الأمن الفكري لابد أن يقوم بحفظ الدين من جانبين الأول الوجود من خلال القيام بالدين والثاني العدم بدرء كل العوارض المفسدة للدين. وأشار العقيل إلى أن الأمن الفكري يحقق آثارا إيجابية، إذ أنه السبيل الوحيد لبلوغ الأمة عزها ومجدها وخيريّتها، وترسيخ مبدأ العقيدة الإسلامية الصحيحة في النفوس، وإظهار وسطية الإسلام واعتداله وتوازنه، وإتاحة الفرصة الكاملة للحوار الرشيد داخل المجتمع الواحد وربط الشباب بولاة أمرهم وترسيخ مفهوم حب الوطن، والتحذير من الأفكار المنحرفة وتوحيد المرجعية الدينية في الفتوى، لا سيما في النوازل الكبار في مسؤولية الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، كما أن البحث عن الأمن الفكري فرصة لوضع ضوابط للمطبوعات والمنشورات والوقوف بحزم ضد تيارات الغلو والتطرف المضاد.