في بنجلاديش التي زرتها مرات عديدة، ظلت الشيخة خالدة ضياء تتحدث عن قيم الديمقراطية، وضرورة الحوار، وأهمية الحفاظ على نسيج المجتمع، وطهارة اليد، وأهمية الحفاظ على المال العام، حتى تمكَّنت من الوصول لمقعد الرئاسة «رئاسة الحكومة»، كأول مرة تتقلَّد فيها امرأة هذا المنصب في بلد إسلامي صرف! كان ذلك في الفترة من عام 1991 إلى 1996 حيث التقيتها في بيتها آنذاك. لقد آثرت السيدة خالدة خوض غمار السياسة منذ اغتيال زوجها الرئيس ضياء الرحمن، رافعة شعار الوحدة الوطنية، والنضال من أجل تطهير البلاد من الديكتاتورية والقمع وحكم الفرد الواحد.. فلما كان لها ما أرادت، ومع مرور الوقت، وظهور المنافس القوي لها - ويا له من منافس- بدأت جذوة الحماس للديمقراطية تخبو، والتمسك بالكرسي تزيد، حتى طفت على السطح، مصطلحات أخرى، مثل قوى العدوان والشر الذين يريدون العودة بالبلاد إلى الوراء! لقد كان المنافس لها امرأة مثلها وفي مثل حالتها! الشيخة حسينة واجد، ابنة الرئيس السابق مؤسس الجمهورية الأولى مجيب الرحمن، الذي تم اغتياله أيضاً عام 1977م. والواقع أن السيدة حسينة بدورها وجدت الساحة السياسية ممهَّدة للسير أو الوصول إلى سدّة الحكم، فقد راحت تُبشِّر بضرورة إحياء قيم الديمقراطية الحقة، وتُحذِّر من خطورة الفساد الذي يستشري في البلاد، وضرورة التطهير، وحتمية التغيير! وكان ما كان، وفازت حسينة برئاسة الحكومة في الفترة من عام 1996 إلى عام 2001، حيث التقيتها في منزلها بدكا. ولأنها معركة نسائية في جانب منها، قبل أن تكون سياسية، فقد استخدمت الرئيسة عبارات لم تخلُ من الكيد النسائي! قبل أن ننتقل للحديث من جديد عن قيم الحوار والديمقراطية. لقد تفرغت الشيخة حسينة للشيخة خالدة، معرضة حزبها «عوامي» لهزيمة ساحقة في انتخابات 2001 لتعود خالدة رئيسة للحكومة، ويشتعل الموقف أكثر وأكثر! كان ذلك عام 2002، حيث أكدت لي الشيخة خالدة أن كل ما يُقال أو يُشاع «عنها» مصدره الشيخة حسينة التي «تقل ثقافةً ووطنية وجمالاً عني»! هذا ما ذكرته لي، قبل أن يتم توجيه تهمة الابتزاز والتحريض على القتل للزعيمة المنافسة، التي تعرَّضت للاعتقال بالفعل عام 2007! في العام التالي تم الإفراج عن الشيخة حسينة بقرار جمهوري، سافرت بعدها إلى أمريكا، وعادت أكثر تنظيماً وقوة، خاصة مع تزايد الاتهامات المتوالية للشيخة خالدة، والتي طالت سمعتها المالية!. ومثلما خرج الشعب لمناصرة خالدة، خرج هذه المرة لمناصرة حسينة التي فازت بالانتخابات بالفعل، وجاءت رئيسة للوزراء! ومن الواضح أن الشيخة حسينة ظلت تكظم غيظها طوال تلك الفترة، قبل أن تعود لما يُسمِّيه البعض «الثأر»، ويُسمِّيه البعض الآخر ب»الانتقام»، وتُسمِّيه هي وحزبها ب»تطبيق العدالة الانتقالية»، حيث تم إعدام عدد كبير من العلماء والشخصيات السياسية! بالأمس القريب، وتحديداً يوم الخميس الموافق للثامن من فبراير 2018م، قضت المحكمة بسجن خالدة ضياء لمدة 5 سنوات، بتهمة تتعلق بالفساد وتبديد أموال تبرعات خيرية! ولأن لخالدة أنصارها، فقد نزل قطاع كبير من الشعب، للتنديد بالحكم، فيما أعلنت المصادر الحكومية، أنه ليس من حق خالدة اعتباراً من الآن الترشح للرئاسة، حتى ولو خرجت من السجن! لقد اقتسمت الزعيمتان كل شيء في بنجلاديش.. السلطة والحكم والسجن. والشعب قاسم مشترك! يخرج للتنديد تارة، وللتأييد أخرى. للرقص تارة، وللبكاء أخرى. للمطالبة بالسجن بل بالإعدام تارة، والهتاف ضد الأحكام الجائرة تارة أخرى.! شيئاً فشيئاً، تم تقسيم بنجلاديش إلى شعبين، شعب مناصر للأولى حقاً وباطلاً، وآخر مناصر للثانية حقاً وباطلاً! المؤسف حد الإيلام، أن المناصرين للأولى باتوا لا يتزوّجون من المناصِرَات للثانية، والعكس صحيح!.