إن المأمول من قطاع المثقفين والأدباء والمفكرين أن يكون استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي رديفًا لوعيهم واستنارتهم، لكن الملاحظ أن استخدامهم في الغالب لم يخرج عن استخدام غيرهم من العامة، في تسخير هذه الوسائل ومنها «السناب شات» إلى تمرير الغث، والاهتمام بالظهور و»الهياط» فقط دون محتوى ثقافي وأدبي وفكري.. بما يدفع للتساؤل حول هذا الاستخدام غير اللائق من قبل بعض المثقفين والأدباء، والواقع وراءه، والغاية منه.. المشاركون في هذا الاستطلاع قدموا رؤيتهم حول هذه الظاهرة. العسيري: مجرد المشاركة لا يعني ركوب الموضة الدكتورة ملحة عبدالله عبرت عن أسفها لسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بقولها: للأسف أصبح لدينا ما يسمى باللوثة الحضارية (Culture Shock )، وهو مصطلح علمي نفسي حينما يجد الفرد منا نفسه أم حضارة ما وهو غير مدرك أبعادها أو يعرف كنهها، حينما تصيبه لوثة نفسية تعمل على اضطراب الوجدان. ودخول قنوات التواصل الاجتماعي سواء سناب أو غيره جعلت منا بشرًا مهووسين بهوس لا حدود له. والهوس أنواع؛ هوس الشهرة، هوس الحكي وتتبع مساوئ البشر، وهوس التلصص وهو مرض من نوع خاص ومنتشر، ثم هوس الانفراد بالرأي الواحد ومحاولة السيطرة الفكرية في اتجاه واحد. وتمضي ملحة مضيفة: أتعجب مما يسمى السناب وما يبثه من هراء ومن تصورات وصور وفكر لا علاقة لنا به بل لا فائدة ولا طائل من ورائه كما أنه أصبح هو والفيس وتويتر وكل هذه الأشياء مضيعة للوقت ولا نقدم منه فائدة تذكر سوى فرض الذات بالقوة وبدون استئذان وهو نوع من البحث عن الذات جراء أزمة وجود! أو قل البحث عن دور. إن من أهم صناعة النجم الا يبتذل ذاته، وأن يكون ظهوره بحساب وبندرة، فماذا يريد جمهور من نجم أو من فنان أو مبدع وهو حزم الجرجير في أيدي الباعة المتجولين. وتختم ملحة بقولها: والفضيحة الأدهى والتي نفشت بيننا بسرعة النار في الهشيم وهي ذهاب وقار الرجال في مجالسهم وأعمالهم والذي هو ثروتنا! فأصبح الواحد منا في مجلس الرجال وفي المناسبات وفي المؤتمرات يحملق في شاشته منفصل عن الآخرين، والحضارة دائما تخلد تاريخها بالنحت والنقوش؛ فأخشى أن تصبح حضارتنا منحوتة في العصور القادمة لتمثال رجل يحملق سناب.! وشر البلية ما يضحك. ملحة: أصابنا بلوثة حضارية وأفقد الرجال وقارهم ويعيب القاص محمد علي قدس على المثقفين إهدار وقتهم جهودهم ووقتهم في مجاراة الواقع ومسايرة الحال وتطبيق كل جديد في عالم السوشال ميديا والتواصل الاجتماعي، ولا يحصدون إلا الهشيم. ماضيًا إلى تعديد سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي بقوله: ومن سلبياتها أنها أفرزت الكثير من المصطلحات والمفردات التي انتشرت عبر قنوات التواصل والإعلام ومن هذه المفردات التي لا تعبر إلا عن سياق شعبي ك(الانبراش) و(الهياط) الذي تعرفت عليه من خلال التعليقات والهاشتاقات ومقالات بعض الكتاب ومعناه التظاهر والتفاخر والتعالي على الناس - إن صح هذا المفهوم - وهي ظاهرة اجتماعية لا تعبر إلا عن نفوس ضعيفة. لذلك كان لابد من وضع حد لهذا السفه الذي يدعونه الهياط، ووضع حدود لشرف المهنة لمواجهة كل من يسيء لثقافتنا ويزيد من إسقاط البعض بين السناب والتغريب والإسراف في السفه. ثقافة التفاهة وتتفق الكاتبة سما يوسف مع الدكتور العسيري في كون التقييم مرتبط بطريق الاستخدام، قائلة: لكل شخص رؤيته لهذه القناة للتواصل بها مع الغير، فمنها المفيد ومنها الغث وحسب ثقافة المستخدم فنرى من بعض المثقفين من يعرض الكتب التي استفاد منها وهناك من يقوم برحلات تدل على المناطق السياحية وأسماء الفنادق، وللأسف البعض يصور بيته وعطره وحديقته وسيارته فهؤلاء للهياط، وذلك يعتمد على ثقافة الإنسان وكيفية استخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي. ويشارك الإعلامي محمد الراعي بقوله: لابد للمثقف أن يؤثر ويتأثر ويتعايش مع المجتمع ويواكب التغيرات بهدف الارتقاء وليس للإسفاف، فلو تركت وسائل التواصل لسفاسف الأمور ولأصحاب التغريدات ومقاطع ما يعرف ب(الهياط) ستبقى متدنية في الذوق والمحتوى. لهذا أرى أن على المثقف أن يساهم في رفع الذوق العام وإثراء هذه الوسائل بما يفيد، أو على الأقل بما هو أرقى مما هي عليه الآن. ويخلص الراعي إلى القول: لست مع العزوف التام ولست مع الانسياق التام؛ بل مع مشاركات متزنة في العدد والمحتوى. واكتفى الكاتب فهد ردة الحارثي بالقول: في السناب يغلب السطحي والتافه في تسجيل الوقائع واليوميات ومجاراة هذا الطابع العام للسناب يجعل الأغلبية في نفس القالب، ولا غالب ولا مغلوب، قلة هم الذين استفادوا من هذا الوسيط كمنبر ثقافي لهم ولغيرهم، والأغلبية سايروا السائد ومضوا حيث اليومي والكائن والشو. بداية يرى الناقد الدكتور أحمد العسيري أنه «ليس بالضرورة أن مجرد المشاركة في السناب تعني ركوب الموضة أو الهياط، إذ إنها في الأصل وفي غرض وجودها تعتبر سمة حضارية، ومن ضمن أدوات التواصل واسعة الانتشار». ماضيًا إلى القول: أما من ناحية التعاطي معها فربما يمكن تصنيفها هياطًا أو خلافه، فمشاركة اللحظة ذات الأهمية بالنسبة لشخص ما، قد لا تكون كذلك بالنسبة لآخرين، وهنا يساء التقدير وفق التقييم وتباين وجهات النظر حيال الموضوع المشترك. ومن الصعب جدًا ان يحصل تماثل بين الجميع تجاهه، لكن هناك المقاربة المنطقية سواء في الذائقة أو في تلمس مكامن المتلقي الجمالية أو المعرفية وحتى الترفيهية. وهنا استثني الاستعراض المقصود لذاته، والتباهي من منطلق استفزازي بما لا يملكه آخرون. ويخلص العسيري إلى القول: وفي كل الأحوال «السناب»، وما في حكمه هي مكتسبات تقنية لها إيجابياتها وسلبياتها، والحد الفاصل بينهما هي مشروعية وكيفية الاستخدام.