مع انتشار الفساد الإداري والأخلاقي والسُّلوكي وحتى الفكري بصُوره وأشكاله المُختلفة، وفي ظل أخبار كشف أوجه القصور والفساد الإداري في بعض المؤسسات والجهات، يُحاول بعضهم التنصّل من تُهم الفساد ومَواطِن الخلل الإداري وأشكال العطَب السُّلوكي، ويلجأ أحدهم إلى تبرئة نفسه من مظاهر الإفساد الواضحة البيّنة، وهي ردود أفعال متوقعة، فمهما كان الإنسان فاسداً، لا يسعه نفسيًّا إلا تبرير فساده على هواه. لكن الحقيقة التي لا بد من مُواجهتها بصدقٍ وشفافية، هي أن في حال انتشار الفساد بهذا الشكل المُريع وتغلغله في مفاصل الإدارات المختلفة، وسيطرته على التعاملات الإدارية وسلوكيات الناس في المجتمع، واتصافه بالقاعدة عوضًا عن الشاذ عنها، لا بد أن يكون جميع الناس مُشتركين في ازدهاره وترعرعه، وانتشاره وتكاثره، وقبوله والتوافق عليه، بصورة أو بأخرى، من حيث يدرون أو لا يدرون، إلا من رحم الله. فالفساد الإداري لا يقتصر على مظاهره الواضحة كالتزوير والاختلاسات والرّشوات المالية والابتزاز وغيرها من التي يُجرّمها القانون فحسْب، لكنه يتعدّاها إلى مظاهر أكثر انتشارًا وأقلّ انكشافًا، وقد تمرّ دون مُحاسبة كونها من الفساد الخفي، ومنها: تحكّم مسؤولٍ واحدٍ في مناصب عدة إدارية وأكاديمية قيادية بما فيها من تضارب مصالح، المُماطلة في إعطاء الحقوق لأصحابها، تعيين غير السعودي بحجة غياب الكفاءة السعودية، استمراء الواسطة والمحسوبية، بخسُ الناس أشياءهم ومكانتهم، استمرار الشخص نفسه في المنصب نفسه لسنوات طوال عجاف دون مُساءلة أو تغيير، احتكار القوة المالية وإساءة استغلال المُمتلكات العامة، منع الجمهور المُباشر والإعلام من مراقبة المال العام، اتباع سياسة «الباب المُغلق» بخلاف توجيه أولياء الأمر، التسيّب الوظيفي وتأخير المُعاملات، اقتصار الخِدْمات الحكومية المتميّزة على فئات اجتماعية معيّنة، تهميش الكفاءات العالية التي ترفض المُشاركة في منظومة الفساد، وقبول الموظف هدايا نظير مُجاملةٍ إدارية أو تسهيل إجراءات نظامية. أمّا أكثر أنواع الفساد الإداري المُجتمعي انتشارًا، هو السّكوت عنه، والرضا به والخوف من الحديث عنه، والجهل بالحقوق، وغضّ الطرف عن مظاهر الغُبن الاجتماعي والجوْر الإداري ، دون التجرّؤ على التبليغ عنه أو انتقاده ولو على استحياء، بل قد يصل الأمر ببعضهم إلى تبريره والمشاركة فيه دون وعي، بحجة أنه المقبول عُرفاً. وأختم بقول يُنسب للكاتب والروائي (خيري شلبي): «إن الفساد يطولُ عُمره كلّما انسحب الشُّرفاء من الميادين وآثروا السلامة وتخاذلوا، فيُفسحون المجال للصغار التافهين البلطجية».